للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل من الأنصار، فانتهينا إِلى القبر؛ ولمّا يُلحد (١)، فجلس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[مستقبل القبلة]، وجلسنا حوله، وكأنّ على روؤسنا الطّير، وفي يده عودٌ ينكت (٢) في الأرض، [فجعل ينظر إِلى السماء، وينظر إِلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه، ثلاثاً]، فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً، [ثمّ قال: اللهم إِنّي أعوذ بك من عذاب القبر] [ثلاثاً]، ثمّ قال: إِنّ العبد المؤمن إِذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إِليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأنّ وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحَنُوطٌ (٣) من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مَدَّ البصر، ثمّ يجيء ملك الموت -عليه السلام- حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيّتها النفس الطيبة (وفي رواية: المطمئنة)! اخرجي إِلى مغفرة من الله ورضوان.

قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السِّقَاءِ، فيأخذها (وفي رواية: حتى إِذا خرجت روحه؛ صلّى عليه كلُّ ملكٍ بين السماء والأرض، وكلّ ملك في السماء، وفتحت له أبواب السماء، ليس من أهلِ باب إلاَّ وهم يدْعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم)، فإِذا أخذها؛ لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، [فذلك قوله - تعالى-: {توفّته رُسُلنا وهم لا يفرِّطون}، ويخرج منها كأطيب نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدت على وجه الأرض.


(١) أي: لم يوضْع في لحده بعْدُ.
(٢) أي: يضرب بطرفه الأرض، وذلك فِعل المفكّر المهموم "عون" (١٣/ ٦٣).
(٣) بفتح المهملة: ما يُخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصّة. "النهاية".

<<  <  ج: ص:  >  >>