قال شيخنا -رحمه الله- (ص ٢٨٤): "وممّا يدخل في ذلك دخولاً أوّلياً: ما هو مشاهد اليوم في الدينة [النبوية]، من قصد الناس -دُبُرَ كلّ صلاة مكتوبة- قبر- النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للسلام عليه والدُّعاء عنده وبه، ويرفعون أصواتهم لديه، حتى ليضجّ المسجد بهم، ولا سيّما في موسم الحجّ، حتى لكأنّ ذلك من سنن الصلاة! بل إِنهم يحافظون عليه أكثر من محافظتهم على السّنن! وكلّ ذلك يقع على مرأىً ومسمعٍ من ولاة الأمر، ولا أحد منهم يُنكر، فإِنّا لله وإنّا إِليه راجعون! وأسفاً على غُربة الدين وأهله، وفي مسجد النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي ينبغي أن يكون أبعد المساجد -بعد المسجد الحرام- عمّا يخالف شريعته عليه الصلاة والسلام".
وقال شيخنا -رحمه الله- (ص ٢٨٥): "ويجوز لمن بالمدينة إِتيان القبر الشريف للسلام عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحياناً؛ لأنّ ذلك ليس من اتخاذه عيداً؛ كما هو ظاهر.
والسلام عليه وعلى صاحبيه -رضي الله عنهما- مشروع بالأدلة العامة، فلا يجوز نفي المشروعية مطلقاً لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن اتّخاذ قبره عيداً؛ لإِمكان الجمع بملاحظة الشّرط الذي ذكَرْنا.
ولا يَخْدِجُ عليه أننا لا نعلم أنّ أحداً من السلف كان يفعل ذلك؛ لأنّ عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه كما يقول العلماء، ففي مثل هذا؛ يكفي لإِثبات مشروعيته الأدلة العامّة؛ ما دام أنّه لا يثبت ما يُعارضها فيما نحن فيه.
على أنّ شيخ الإِسلام قد ذكر في "القاعدة الجليلة" (ص ٨٠ - طبع المنار) عن نافع أنه قال: كان ابن عمر يُسلم على القبر، رأيته -مائة مرة أو أكثر-