للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فأَمَرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله! أيّ الحلّ؟ قال: الحلّ كلّه"؛ متفق عليه. وفي حديث جابر نحوه وأوضح منه؛ كما يأتي فقرة (٣٣ - ٤٥) (١).

قلت [أي: شيخنا]: فمن تأملّ في هذه الأحاديث الصحيحة؛ تبيّن له - بياناً لا يشوبه ريب- أن التخيير الوارد فيها إِنما كان منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لإِعداد النفوس وتهيئتها؛ لتقبُّل حُكمٍ جديدٍ، قد يصعب ولو على البعض تقبّله بسهولة لأول وَهْلَةٍ، ألا وهو الأمر بفسخ الحج إِلى العمرة، لا سيّما وقد كانوا في الجاهلية كما هو ثابت في "الصحيحين" - يرون أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج، وهذا الرأي -وإن كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أبطله باعتماره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاث مرات في ثلاث سنوات كلها في شهر ذي القعدة-؛ فهذا وحده وإن كان كافياً في إِبطال تلك البدعة الجاهلية؛ فإِنه لا يكفي -والله أعلم- لإِعداد النفوس لتقبل الحكم الجديد، فلذلك مهّد له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتخييرهم بين الحج والعمرة مع بيان ما هو الأفضل لهم، ثمّ أتبع ذلك بالأمر الجازم بفسخ الحج والعمرة.

فإِذا عرفنا ذلك؛ فهذا الأمر للوجوب قطعاً، ويدل على ذلك الأمور الآتية:

الأول: أن الأصل فيه الوجوب إِلا لقرينة، ولا قرينة هنا، بل والقرينة هنا تؤكده، وهي الأمر التالي وهو:

الثاني: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أمرهم تعاظم ذلك عندهم، كما تقدّم آنفاً، ولو لم يكن للوجوب لم يتعاظموه، ألم تر أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمرهم من قَبْلُ ثلاث مرات أَمْرَ تخيير، ومع ذلك لم يتعاظموه، فدل على أنهم فهموا من الأمر الوجوب، وهو


(١) انظر (ص ٦٠) منه بعنوان "الأمر بفسخ الحجّ إِلى العمرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>