رواه مسلم (٤/ ٨٥) عن نافع أنّ ابن عمر كان يرى التحصيب سنّة.
فكأنّ ابن عمر تلقّى ذلك من أبيه -رضي الله عنهما- فتقوّى رأيه بهذا الشاهد الصحيح عن عمر.
وليس بخافٍ على أهل العلم أنّه أقوى في الدلالة على شرعية التحصيب من رأي ابنه؛ لما عُرف عن هذا من توسّعه في الاتباع له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى في الأمور التي وقعت منه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتفاقاً لا قصداً، والأمثلة على ذلك كثيرة، وقد ذكر بعضها المنذري في أول "ترغيبه" بخلاف أبيه عمر كما يدلّ على ذلك نهيه عن اتباع الآثار، فإِذا هو جزم أنّ التحصيب سنّة؛ اطمأن القلب إِلى أنه يعني أنّها سنّة مقصودة أكثر من قول ابنه بذلك، لا سيّما ويؤيّده ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن بمنى:"نحن نازلون غداً بخيفٍ بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر".
وذلك أنّ قريشاً وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلّموا إِليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. يعني بذلك التحصيب. والسياق لمسلم. قال ابن القيم في "زاد المعاد": "فقصد النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِظهار شعائر الإِسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر، والعداوة لله ورسوله. وهذه كانت عادته -صلوات الله وسلامه عليه-: أن يقيم شعار التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك كما أمر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يبني مسجد الطائف موضع اللات والعزّى".
وأما ما رواه مسلم عن عائشة أنّ نزول الأبطح ليس بسنّة، وعن ابن عباس