لأنك تقصد بها إِلى تسبيح الله -تعالى- فاللفظ بها تنزيه وتسبيح مرة واحدة، فصار قولك:(ثلاثاً) لغواً لا يتسق مع صواب القول في الوجه العربي.
وأمّا قول القائل:(اضرب ثلاثاً) فإِنه نوع آخر، وذلك أنه إِنشاء للأمر -بالضرب- مرة واحدة أيضاً، وهو المعنى الوضعي لفعل الأمر، وكلمة (ثلاثاً) وصف أيضاً للمصدر المضمر في الفعل، أعني (ضرباً)، وهو الذي قد يحصل في المستقبل طاعة لمدلول صيغة الإِنشاء، وقد لا يحصل عند العصيان، وليس هو -أي المصدر- مدلول الصيغة؛ لأنه قد لا يحصل إِذا خالف المأمور الأمر فلم يفعل ما أمَره به، مع أن مدلول الصيغة قد تم وتحقق، وهو حصول الأمر من الأمر بخلاف أنواع الإِنشاء -اللفظي أو المعنوي- التي يكون مدلولها حقيقة لا تتحقق ولا توجد إِلا بنفس النطق بها وحده، فلا يمكن تكرار المدلول إِلا بتكرار اللفظ الدال عليه.
ونظائر ذلك في الشريعة كثير. فإِنّ الملاعِن أُمِر بأن يقول أربع مرات:(أشهد بالله إِني لمن الصادقين) فلا بد لطاعة الأمر من أن يقول هذه الجملة مراراً أربعة مكررة في اللفظ.
أمّا إِذا قال:(أشهد بالله أربع مرات إِني لمن الصادقين) لكان قوله معدوداً مرة واحدة، وبقي عليه ثلاث. لا أقول: إِن هذا إِجماع -وهو إِجماع فعلاً-؛ ولكن أقول: إِنه بالبداهة التي لا يقبل في العقل غيرها، ولا يتصور أحد سواها.
قال ابن القيّم -رحمه الله تعالى- في "إِعلام الموقعين"(٣/ ٢٧) -بعد أنْ ذكَر أن الله -تعالى- جعل الطلاق مرة بعد مرة-: وما كان مرة بعد مرّة لم يملك