فهذه الحقائق توجد عند النطق بالألفاظ الموضوعة لها بشروطها، فقول القائل. أنت طالق يوجد به حين القول حقيقة معنوية (واقعيَّة: هي الطَّلاق، أو هي فسخٌ وإنْهاءٌ لعقد الزَّواج الذي بينهما) بصفة خاصة لها أحكام معينة، ووصفُهُ بعد ذلك هذا الفعل بالعدد (مرتين) أو (ثلاثاً) وصْفٌ باطل غير صحيح، وهو لغو من القول، إِذ إنَّ قوله:(ثلاثاً) -مثلاً- صفة لمفعول مطلق محذوف، هو مصدر الفعل، وهو (طلاقاً) وهذا المصدر هو الذي تحققت به الحقيقة المعنوية عند النطق بقوله: (أنت طالق)، وتحقُّقُها بهذا المصدر إِنما يكون مرة واحدة ضرورة، ولا تتحقق مرة أخرى إِلا بِنُطق آخر مثل سابقه، أي يقصد به الإِنشاء والإِيجاد (١).
وأمَّا وصف المصدر بأنه مرتان أو ثلاث لا تتحقق به حقيقة جديدة، لأن الإِنشاء إِنما يكون في الحال -أعني حال النُّطق- ولا يكون ماضياً ولا مستقبلاً، والتكرار يستدعي زمناً آخر للثاني ثمّ الثالث، فلا يكون زمنها كلها حالاً، إِذ أنه محال عقلاً.
وهكدا الشأن في نظائره، فلا يسوغ لك أن تقول:(بعت ثلاثاً) على معنى القصد إِلى إِيجاد عقد البيع وإنشائه، وكذلك في الجمل الإِنشائية الصرفة، لا يسوغ أن تقول:(سبحان الله ثلاثاً) -أعني هذه الجملة كما هي
(١) وقال -رحمه الله- في التعليق: ولذلك قالوا: لو قال لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فإِن نوى إِنشاء الطلاق بكل واحدة كان ثلاث طلقات -عندهم- وإن نوى التأكيد بالجملتين الأخريين وقع واحدة فقط.