للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية في "المستدرك" للحاكم (٢/ ١٩٦) عن ابن أبي مليكة أن أبا الجوزاء أتى ابن عباس فقال: أتعلم أن ثلاثاً كن يُرْدَدْنَ على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلى واحدة؟ قال: نعم. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد. وفي إِسناده عبد الله بن المؤمل، تَكلَّم فيه بعضهم، والحق أنه ثقة.

وفي رواية عند الطحاوي في "معاني الآثار" (٢/ ٣٢) بإِسناد صحيح من طريق طاوس، قال ابن عباس: "فلما كان زمان عمر -رضي الله عنه- قال: أيها الناس، قد كانت لكم في الطلاق أناة، وإنه من تعجّل أناة الله في الطلاق ألزمناه إِياه".

فهذه الأحاديث تدل على أن إِيقاع طلقات ثلاث في مجلس واحد أو مجالس متعددة كان يُرَدُّ في عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلى طلقة واحدة ... وهي موافقة لنظم القرآن ورسْمه في الطلاق. لأن الله -سبحانه وتعالى- شرع في طلاق غير المدخول بها أنها تبين بنفس الطلاق وليس للمطلق عليها عدة تعتدها، فبمجرد أن نطق بالطلاق وأنشأه بانت منه، فلا يمكنه أن يكرر طلاقها مرة أخرى إِلا أن يتزوجها بعقد جديد.

وشرع في طلاق المدخول بها أنها تطلق مرتين، وفي كل مرة إما إِمساك بمعروف وإِمّا تسريح بإِحسان، ثمّ تبين منه في الثالثة، وعليها العدة، ولا يجوز له أن يراجعها فيتزوجها إِلا بعد زوج آخر.

وقد قال حُجّة الإِسلام الجصاص في "أحكام القرآن" (١/ ٣٨٠): "إِن الله -تعالى- لم يُبحِ الطلاق ابتداءً لمن تجب عليها العدة إِلا مقروناً بِذكر الرجعة. منها قوله -تعالى-: {الطلاق مرتان فإِمساك بمعروف} (١) وقوله -تعالى-:


(١) البقرة: ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>