قلت: وأمّا قول عمران بن حصين -رضي الله عنه-: طلّقت لغير سُنّة، وراجعْت لغير سُنّة، أشهد على طلاقها وعلى رجْعتها ولا تعُد.
فقد أفاد أنّ من السّنّة النبوية الإِشهاد على الطلاق فقول الصحابي: من السّنّة له حُكم الرفع كما تقدّم، وهذا يبيّن أن الإِشهاد في الآية الكريمة:{وأشهدوا ذَوَي عدل منكم} يتضمّن الطلاق والرجعة والله -تعالى- أعلم.
وانقدح في نفسي أنه لو لم يقع طلاق ذاك الرجل بلا إِشهاد؛ لما قال له عمران -رضي الله عنه-: أشهد على طلاقها، ولا سيّما أنه راجع امرأته بل ينبغي أن يقول له: طلاقُك لم يقع لأنه بلا إِشهاد، ثمّ بدا لي أن قول عمران -رضي الله عنه- من باب التعليم وبيان القاعدة.
وهذه الصورة تختلف عن صورة عدم الإِشهاد على النكاح. فلو أنّ رجلاً حصل نكاحُه بلا شهود ثمّ طلّقها، فهذا يُقال له: ما بُني على فاسد فهو فاسد؛ وأصل النكاح لم يقع أصْلاً؛ لأن شروطه المطلوبة لم تتحقّق أو تكتمل.
وهل صورة الطلاق بلا إِشهاد؛ كرجل أعطى رجُلاً ديناً ولم يُشهد عليه، فهو عاصٍ دعاؤه لا يستجاب كما ثبت عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (١)، لكن لا يعني عدم الإِشهاد إِسقاط حقّه من مالٍ على الآخرين؟؟
(١) إِشارة إِلى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاثة يدعون الله فلا يُستجاب لهم ... ورجلٌ كان له على رجلٍ مالٌ فلم يُشهد عليه". أخرجه الحاكم والطحاوى في "مُشكل الآثار" وغيرهما وهو في "الصّحيحة" (١٨٠٥).