للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَكَمَين، فقد دلّ الكتاب الكريم على مشروعية ذلك عند شقاق الزوجين بإِرسال حَكَمَين من أهل الزوجين؛ يُؤْثِران الإِصلاح بالوفاق، على الفراق والطلاق، فينصحان الزوجين ويعظانهما ويؤذنانهما بمفاسد الطلاق ومَضرّاته وخراب ما بُني من المعيشة البيتية، وما يَعْقُبه من الندم ونفرة الحبّ القلبي، وغير ذلك من تَشتُّتِ شمْل البنين والبنات، وتجرّعهم غُصص الحسرات، حتى إِذا لم يُفد نصحهما وأخفَقَ سعيهما، ورأيا الخيرة لهما في الفراق، أَذِنا للزوج بالطلاق.

وهذا كله مستفاد من قوله -تعالى-: {وإِنْ خفتم شِقاق بينهما فابعثوا حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها إِنْ يريدا إِصلاحاً يوفق الله بينهما} (١) فلم يشرع -سبحانه وتعالى- للزوج أن يعجَل بالطلاق، وأن يبادر به سائق الهوى والهوَس بدون عمل بما أمر -تعالى- به وحَضَّ عليه.

ودلّ الأمر في قوله -تعالى-: {فابعثوا حَكَماً من أهله وحَكَماً من أهلها} على أنّ إِرسال الحَكَم فرْض، لأنَّ الأمر للوجوب عند الأكثرين، والأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، والنهي -أعني التلبُّس بخلاف الأمر- يقضي الفساد وعدم الاعتداد كما تقرر في الأصول.

فإِذَنْ؛ من عَجَّل في الشِّقاق، وتلفَّظ بالطَّلاق بدون الرجوع إِلى التحاكم المأمور به؛ فقد تلبس بالمنهي عنه وعصى بمخالفة الأمر، وأمّا من عمل بالأمر ففوّض للحَكَمين الخيرة؛ فلم يجدا سبيلاً لائتلاف الزوجين، ولا طريقاً لجمع شملهما؛ فما جعل الله في ذلك من حرج؛ لقوله: {وإِن يتفرقا يُغنِ اللهُ كلاًّ من سَعته} (٢).


(١) النساء: ٣٥.
(٢) النساء: ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>