الأدب الثاني: إِيقاعه في حال الخوف من عدم إِقامة حدود الله، وذلك بأنْ تتضرّر المرأة من الرجل فترى منه ما يسوؤها؛ من قول أو فِعل أو أمر يستحيل معه صبرها عليه.
ومنه أن يترك معاشرتها بالمعروف ويتجافى الإِحسان إِليها، أو تُشاهد منه انكباباً على الفحشاء وعملاً بالمنكرات، أو إِغراءً لها بترك الواجبات، أو إِفساداً لصالح تربيتها بمشاهدة ما يأتيه من الموبقات، أو سعياً في إِيذائها بأنواع المضَرّات؛ فتخشى من بقائها على عصمته أن تبوء بإِثم الناشزة والهاجرة، وهي لا تطيق حالتئذٍ ملامسته بوجهٍ ما، وتأبى القُرب منه أشدّ الإِباء، ففي هذه الحالة شُرع مخالعتها؛ بأن تفتدي منه بما يتراضيان به، وإليه الإِشارة بقوله -تعالى-: {فإِنْ خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظالمون}(١).
وتدلّ الآية بمفهومها على أنهما إِذا كانا يقيمان حدود الله في الزوجية؛ فليس له أن يطلب مخالعتها بأخذ ما لا تطيب نفسها به، وليس لها أيضاً أن تفتكر في الاختلاع منه، لأن في ذلك إِفساداً لهما، وإصراراً بهما وبأولادهما -إِن كانوا- وإِنّ ذلك حينئذ من تعدّي حدود الله، أي: مجاوزتها.
ثمّ إِذا خلَعها من عصمته فهل يكون خلْعُه طلاقاً أو فَسْخاً؟ فذهب الجمهور إِلى الأول، وجعلوا عدّتها ثلاثة قروء، وذهب ابن عباس وعثمان وابن عمر والرُّبيِّع بنت معوِّذ وعمُّها -رضي الله عنهم- إِلى أنَّه فسْخ.
قال الإِمام ابن القيم: ولا يصح أنَّه طلاق البتَّة، وقد أمَر النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امرأة