قال الحافظ -رحمه الله- في "الفتح": "حتّى إِذا عَتوا: من العتوّ وهو التجبُّر، والمراد هنا: انهماكهم في الطغيان والمبالغة في الفساد في شُرب الخمر؛ لأنه ينشأ عن الفساد.
وفسقوا: أي خرجوا عن الطاعة، ووقع في روايةٍ للنسائي: "فلم ينكلوا" أي: يَدَعوا [و] وقَع في مُرسل عُبيد بن عمير -أحد كبار التابعين- فيما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عنه ... "أنّ عمر جعله أربعين سوطاً، فلمّا رآهم لا يتناهَون، جعله ستين سوطاً، فلمّا رآهم لا يتناهون؛ جَعَله ثمانين سوطاً وقال: هذا أدنى الحدود".
وفيه: " ... وتمسّك من قال بجواز الزيادة على الثمانين تعزيراً ... أنّ عمر حدَّ الشارب في رمضان، ثمّ نفاه إِلى الشام، وبما أخرجه ابن أبي شيبة أنّ علياً جلد النجاشي الشاعر ثمانين، ثم أصبح فجلده عشرين بجراءته بالشرب في رمضان". انتهى.
وعن عبد الرحمن بن أزهر قال: "رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غداة الفتح وأنا غلام شاب يتخلّل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد، فأُُتي بشارب، فأمرهم فضربوه بما في أيديهم، فمنهم من ضربه بالسوط، ومنهم من ضربه بعصا، ومنهم من ضربه بنعله، وحثى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التراب.
فلمّا كان أبو بكر أُتي بشارب فسألهم عن ضرب النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الذي ضربه، فحزروه أربعين، فضرب أبو بكر أربعين.
فلمّا كان عمر كَتَب إِليه خالد بن الوليد: إِنّ النّاس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا الحد والعقوبة، قال: هم عندك فسلهم، وعنده المهاجرون الأولون،