قال -تعالى-: {إِلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإِنّ الله غفور رحيم}.
اختلف العلماء في هذا الاستثناء: هل يعود إِلى الجملة الأخيرة فقط؛ فترفع التوبة الفسقَ فقط، ويبقى مردودَ الشهادة دائماً وإِنْ تاب، أو يعود إِلى الجملتين الثانية والثالثة؟
أمّا الجلد فقد ذهب وانقضى، سواء تاب أو أصرّ، ولا حكم له بعد ذلك بلا خلاف، فذهب الإِمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل إِلى أنه إِذا تاب قُبِلت شهادته، وارتفع عنه حُكْم الفسق، ونص عليه سعيد بن المسيب -سيد التابعين- وجماعة من السلف أيضاً.
وقال الإِمام أبو حنيفة: إِنما يعود الاستثناء إِلى الجملة الأخيرة فقط، فيرتفع الفسق بالتوبة، ويبقى مردود الشهادة أبداً.
وممن ذهب إِليه من السلف: القاضي شريح، وإِبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، ومكحول، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وقال الشعبي والضحاك: لا تُقبل شهادته وإِنْ تاب، إِلا أن يعترف على نفسه بأنه قد قال البهتان، فحينئذ تقبل شهادته، والله أعلم".
قال في "الروضة الندية" (٢/ ٦٠٩): "وإِذا لم يتُب لم تُقبل شهادته؛ لقوله -تعالى-: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} ثمّ ذَكر بعد ذلك التوبة.
والذي يترجّح لديّ قبول شهادته إِذا تاب توبة نصوحاً وأكذب نفسه، ويقرّ أنه قال البُهتان، وذلك لما يأتي: