للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يترجَّح لديّ أنَّ التَّخيير ليس بإِطلاق؛ ولا هو بالانتقائي، وإِنَّما هو نابعٌ مِنْ مرآة الفقه والعِلم وتحقيق العدل والإِنصاف، وعدم التسوية في


= ملاحظة تناسبهم مع جناياتهم؛ لأنَّ ذلك مقتضٍ التَّخيير.
وحجَّة الفريق الثاني:
أن "أو" للتَّفصيل، والعرب تستعملها كثيراً بهذا المعنى، فيقولون: "اجتمع القوم فقالوا حارِبوا أو صالحوا، أي قال: بعضهم كذا وبعضهم كذا".
ويقوِّيه قول الله -تعالى-: {وقَالُوا كُونُوا هُوداً أو نَصَارَى تَهْتَدُوا} وليس المقصود التخيير، لأنَّه ليس هناك فرقة تخير بين اليهودية، والنَّصرانيَّة، بل كلٌّ يدعو إلى دينه، فكان المعنى: أنَّ بعضهم -وهم اليهود- قالوا كونوا هوداً، وبعضهم -وهم النَّصارى- قالوا كونوا نصارى.
وكثيراً ما تعتمد العرب على لفّ الكلامَين المختَلِفَين وتسمح بتفسيرها جملة، ثقةً منها بأنَّ السَّامع يردّ كلَّ مخبر عنه بما يليق به، كقول امرئ القيس:
كأنَّ قلوب الطير رطباً ويابساً ... لدى وكْرِها العناب والحشف البالي
فالعناب هو الرَّطب، والحشف هو اليابس، وقد لفهما بعبارة واحدة. ... فلمَّا كانت "أو" للتفصيل، فإِنَّها قد فصَّلت أحكام قطاع الطريق وجَعَلت لكل منهم حُكمه؛ لأنَّ جناياتهم لا بد من أن تكون مختلفة، وحينئذ يجب تقدير شرط محذوف ينسجم مع معنى التفصيل.
فيكون التقدير: أن يقَتَّلوا إِنْ قَتَلُوا، أو يُصَلَّبُوا إن قَتَلُوا وأخذوا المال، أو تُقَطَّع أيديهم وأرجلهم إِن أخذوا المال ولم يَقْتُلوا، أو يُنْفَوا من الأرض إن أخَافُوا السائرين في السبيل فقط.
ولدى موازنة الرَّأيين يتَّضِح لنا رُجْحان رأي الفريق الثاني لما يأتي:
١ - جعل "أو" في هذه الآية للتفصيل أولى من جَعْلها للتَّخيير، لأنَّنا إِذا تتبَّعنا كلام =

<<  <  ج: ص:  >  >>