أحدها: أن يكون عمداً محضاً، فأمّا الخطأ فلا قِصاص فيه إِجماعاً، ولأن الخطأ لا يوجب القِصاص في النفس -وهي الأصل- ففيما دونها أولى.
ولا يجب بعمد الخطأ، وهو أن يقصد ضَرْبه بما لا يفضي إِلى ذلك غالباً، مثل أن يضربه بحصاة لا يوضح مثلها فتوضحه فلا يجب به القِصاص؛ لأنه شبه العمد، ولا يجب القِصاص إِلا بالعمد المحض، وقال أبو بكر: يجب به القِصاص ولا يراعى فيه ذلك لعموم الآية.
الثاني: التكافؤ بين الجارح والمجروح وهو أن يكون الجاني يقاد من المجني عليه لو قتَلَه ... فأما من لا يُقتَل بقتله فلا يُقتَص منه فيما دون النفس له كالمسلم مع الكافر ... والأب مع ابنه؛ لأنه لا تُؤخَذُ نفسه بنفسه فلا يؤخذ طرفه بطرفه، ولا يجرح بجرحه.
الثالث: إِمكات الاستيفاء من غير حيف ولا زيادة؛ لأن الله -تعالى- قال:{وإِنْ عاقبتُم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وقال: {فمن اعتدى عَلَيْكم فاعْتَدوا عَلَيه بمثْل مَا اعْتَدى عَلَيْكُم} ولأنّ دم الجاني معصوم إِلا في قدر جنايته، فما زاد عليها يبقى على العصمة فيحرم استيفاؤه بعد الجناية؛ كتحريمه قبلها ومن ضرورة المنع من الزيادة المنع مع القِصاص؛ لأنها مِن لوازمه، فلا يمكن المنع منها إِلا بالمنع منه، وهذا لا خلاف فيه نعلمه.
وممن منَع القِصاص فيما دون الموضحة (١)؛ الحسن والشافعي وأبو عبيد وأصحابُ الرأي.
(١) وهي التي تُبدي وَضح العظم، أي بياضَه. "النهاية".