للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} (١).

قال ابن كثير -رحمه الله-:

"هؤلاء قوم آخرون من المُسْتَثنَين عن الأمر بقتالهم، وهم الذين يجيئون إلى المصاف، وهم حَصِرَةٌ صدورهم، أي: ضيّقةٌ صدورهم مُبْغضين أن يقاتلوكم، ولا يَهونُ عليهم أيضاً أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم ولا عليكم.

{ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم} أي: من لُطفه بكم أن كفَّهم عنكم {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم} أي: المُسالمة {فَما جَعَلَ الله لكم عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} أي: فليس لكم أن تقتلوهم، ما دامت حالهم كذلك، وهؤلاء كالجماعة الذين خرجوا يوم بدر مِن بني هاشم مع المشركين، فحضروا القتال وهم كارهون، كالعباس ونحوه". انتهى

فهؤلاء القوم الذين لم يقاتِلوا قومهم، ولم يقاتِلوا المسلمين واعتزلوا محاربة الفريقين، وكان اعتزالهم هذا اعتزالاً حقيقياً؛ يُريدون به السلام، فهؤلاء لا سبيلَ للمؤمنين عليهم.

ويقول الله- تعالى-: {وَإِنْ جَنَحُوا (٢) لِلسَّلْمِ (٣) فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} (٤).

ففي هذه الآية الأمر بالجنوح إلى السَّلم؛ إذا جنح العدو إليها، حتى ولو


(١) النساء: ٩٠.
(٢) جنحوا: أي مالوا. وانظر "تفسير ابن كثير".
(٣) السَّلم: أي المسالمة والمصالحة والمهادنة. وانظر "تفسير ابن كثير".
(٤) الأنفال: ٦١ - ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>