للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحصوا (١) عن أوساط رءوسهم، فاضربوا ما فحصوا عنه بالسيف، وذلك بأنّ الله يقول: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} (٢).

وإنما نَهَى عن قَتْل هؤلاء، لأنهم قوم مُنقَطعون عن الناس، محبوسون في الصوامع، يُسمَّى أحدُهم حبيساً، لا يعاوِنون أهلَ دينهم على أمرٍ فيه ضررٌ على المسلمين أصْلاً، ولا يخالطونهم في دنياهم؛ ولكن يكتفي أحدُهم بقدر ما يتبلّغ به. فتنازَع العلماء في قَتْلهم، كتنازُعهم في قَتْل مَن لا يضُرّ المسلمين؛ لا بيده ولا لسانه؛ كالأعمى، والزَّمِن، والشيخ الكبير، ونحوِه؛ كالنساء والصبيان.

فالجمهور يقولون: لا يُقتَل إلاَّ مَن كان مِن المعاونين لهم على القتال في الجملة، وإلا كان كالنساء والصبيان. ومِنهم مَن يقول: بل مجرّد الكفر، هو المبيح للقتل، وإنّما استثني النساء والصبيان، لأنهم أموال. وعلى هذا الأصل ينبني أخْذ الجزية.

وأمّا الراهب الذي يعاوِن أهلَ دينه بيده ولسانه: مثل أن يكون له رأي يرجعون إليه في القتال، أو نوع مِن التحضيض: فهذا يُقتَل باتفاق العلماء، إذا قُدِر عليه، وتُؤخَذ منه الجزية -وإنْ كان حبيساً منفرداً في مُتعبّده- فكيف بمن هم كسائر النصارى في معائشهم، ومخالطتهم الناس، واكتساب الأموال بالتجارات والزراعات والصناعات، واتخاذ الديارات الجامعات لغيرهم، وإنّما تميَّزوا على غيرهم بما يُغلِظ كفرهم، ويجعلهم أئمةً في الكُفر، مثل التعبّد بالنجاسات، وترْك النكاح واللحم واللباس؛ الذي هو شعار الكفر، لا سيما وهم الذين يقيمون دين


(١) أي: كشفوا عنها بإزالة الشعر.
(٢) التوبة: ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>