للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ بيَّن وجوب توقِّي إصابة أُسارى المسلمين؛ حينما يكونون في حصون العدوِّ، ثمّ استدَلَّ بقوله -تعالى-: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (١).

قال الحافظ ابن كثيرٍ -رحمه الله-: " {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} أي: بين أظهُرهم ممن يكتُم إيمانَه ويُخْفيه منهم خيفةً على أنفسهم مِن قومهم، لكُنَّا سلّطْناكم عليهم فقتلتموهم، وأبدْتُم خضراءَهم [يعني: سوادهم أو معظمهم]، ولكن بين أفنائِهم مِن المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالةَ القتل؛ ولهذا قال -تعالى-: {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ} أي: إثم وغرامة {بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} أي: يؤخر عقوبتَهم ليخلِّص مِن بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثيرٌ منهم إلى الإسلام. ثمّ قال -تبارك وتعالى-: {لَوْ تَزَيَّلُوا} أي: لو تميَّز الكُفّار مِن المؤمنين الذين بين أظهرهم {لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} أي: لسلّطناكم عليهم فلقتلتموهم قَتْلاً ذريعاً".

ثمّ ذكَر صاحب "الإنجاد" -رحمه الله-: ما يكون مِن شأن لقاءِ جيوش المشركين، وفيهم أسارى مِن المسلمين، فبيَّن تحريمَ تعمُّدِ إصابتهم، والتحفّظ عنهم بقدر الوُسع، وتسويغَ القتل لطالما هو ممّا يُنكى به العدوّ، مُبَيِّناَ خَطَر الكفّ عن القتال وتَرْك الدفاع، وأنّ في ذلك مفسدةً أعظم من إصابة بعض الأُسارى.

ثمّ ذكَر مسألة تترُّس الكُفَّار بالمسلمين، واختار الكفَّ عن ذلك.


(١) الفتح: ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>