للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلى نحو هذا تترتَّبُ زيادةُ الأجر لمِن لم يغنم، ويَتَّصِفُ مَنْ غَنِمَ؛ بنقصان الأجر إذا أضيف أجرُه في ذلك؛ إلى الحَظِّ الذي زِيدَ في ثواب مَنْ لم يغنم، والله أعلم.

... وأدلُّ دليلٍ في ذلك وأوضحه: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وقد ذكر ما فضَّله الله -تعالى- به، وخصَّه من كَرمِه-: "أُعطيتُ خمساً لم يُعطهنَّ أحدٌ قبلي؛ كان كلُّ نبيٍّ يُبعث إلى قومه خاصَّةً، وبُعثتُ إلى كلِّ أحمر وأسود، وأُحِلَّت لي الغنائم، ولم تَحِلَّ لأحدٍ قبلي" ... الحديث، ثبت في "الصحيحين": البخاري ومسلم (١) ".

فلو كانت الغنيمة تُحبطُ أجر الجهاد أو تُنْقِصُه، ما كانت فضيلةً، وهذا ظاهر".

قلت: إنَّ أَجْر مَن أخفَق ومَنْ غَنِم؛ لا يعلمه إلاَّ الله -تعالى-، وكذا الأجر الكامل وثلثاه، وفي كُلٍّ خيرٌ، وجزالةُ مثوبة، ولكن المراد من الحديث تحفيز هِمّةِ مَن لم يغنَموا؛ بما لهم عند الله -تعالى-؛ فحين يَعْلَم مَن أخفَق أَنَّ له ما هو أفضل من الغنيمة -وهو الأجر المُدَّخَرُ عند الله تعالى-؛ كان ذلك سبيلاً للمزيد مِن الصبر والاحتساب.

وفي مِثل هذا قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَيَوَدَّنَّ أهل العافية يومَ القيامة؛ أنَّ جلودهم قُرضت بالمقاريض؛ مما يَرَوْن مِن ثواب أهل البلاء" (٢).

وعن أبي سعيد -رضي الله عنه-: "أنّه دخَل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو مَوْعوكٌ عليه قَطيفَةٌ، فوضَع يدَه فَوْقَ القَطيفَةِ، فقال: ما أشَدَّ حُمَّاك يا رسول الله!


(١) أخرجه البخاري: ٣٣٥، ٤٣٨، ومسلم: ٥٢١.
(٢) أخرجه الترمذي، وغيره، وحسنه شيخنا -رحمه الله- في "الصحيحة" (٢٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>