قال: إنا كذلك يُشَدَّدُ علينا البَلاءُ، ويضاعَفُ لنا الأجْرُ. ثمّ قال: يا رسول الله! مَنْ أشدُّ الناس بلاءً؟ قال: الأنبياءُ. قال؛ ثمّ مَن؟ قال: العُلماءُ. قال: ثمّ مَنْ؟ قال: الصالحِونَ، وكان أحدُهم يُبتلى بالقَمْلِ حتى يَقْتُلَه، ويُبْتلى أحدُهم بالفقر حتى ما يجدَ إلاَّ العباءةَ يلبَسُها، ولأَحدُهم كان أشدَّ فَرَحاً بالبلاءِ مِنْ أحدِكُم بالعطاء" (١).
والشاهد فيه: "إنَّا كذلك يُشدَّد علينا البلاء، ويُضاعف لنا الأجر".
فإذا قُلنا إنَّ الإخفاق مِن البلاء، فإنَّ فيه زيادةَ الأجر والثواب. والله -تعالى- أعلم بالصواب.
قال الإمام النّووي -رحمه الله- في "شرحه" (١٣/ ٥٢): "وأمّا معنى الحديث: فالصواب الذي لا يجوز غيره، أنَّ الغزاة إذا سَلِموا أو غنموا؛ يكون أجْرُهم أقلّ مِن أجرِ مَن لم يَسلَم أو سَلِم ولم يَغنم، وأنّ الغنيمة هي في مقابلة جُزءٍ مِنْ أجرِ غزوهم، فإذا حَصَلَت لهم فقد تعجَّلوا ثُلُثي أجرِهم المترَتِّب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة مِنْ جملة الأجر، وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله:"مِنَّا مَن مات ولم يأكل مِن أجرِه شيئاً، ومِنَّا من أينعَت له ثمرتُه فهو يهدبها " أي: يجتنيها. فهذا الذي ذَكَرْنا هو الصواب، وهو ظاهر الحديث ولم يأتِ حديث صريح صحيح يخالِفُ هذا؛ فتعيَّن حَمْلُه على ما ذَكَرنا ... ".
قلت: وكلام الإمام النّووي -رحمه الله- هو الأرجح لدلالة النصوص على ذلك، ويؤيد هذا ما ثبَت عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّها قالت: "أُهْدِيَتْ
(١) أخرجه ابن ماجه، وغيره، وصححه شيخنا -رحمه الله- في "صحيح الترغيب والترهيب" (٣٤٠٣).