فإنّه ليس في هذا ما يدّل على أنّه لا يجوز أن تكون المدة أكثرَ مِن عشر سنين؛ إذا اقتضت المصلحة" انتهى.
والخلاصة: جواز المصالحة إذا طلبها الكفّار؛ إذا كان فيها نفعٌ للمسلمين، ولا يجوز ابتداؤها من المسلمين إذا كانوا واثقين بالنصر.
ولا بُدّ أن تكون المُدّة معلومة -طالت أم قصرت- على ما يرى الإمام فيه تغليب المصلحة وترجيح المنفعة؛ والله -تعالى- أعلم.
قال العلاّمة ابن القَيِّم -رحمه الله- في زاد المعاد (٥/ ٩٣): (في حُكمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الهُدنة وما ينقضُها):
"ثبت عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنّه صالَح أهل مكّة، على وضْع الحرب بينه وبينهم عشر سنين، ودخَل حلفاؤهم مِن بني بكر معهم، وحلفاؤه مِن خزاعة معه، فَعَدَتْ حلفاءُ قريش على حلفائه. فغدروا بهم، فرضِيَت قريش ولم تُنكِره، فجعَلَهم بذلك ناقضين للعهد، واستباح غزْوَهم مِن غير نبْذِ عهدِهم إليهم، لأنهم صاروا محاربين له، ناقضين لعهده؛ برضاهم وإقرارهم لحلفائهم على الغدر بحلفائه، وألحَقَ رِدأهم (١) في ذلك بمباشِرِهم.
وثبت عنه أنّه صالَح اليهود، وعاهَدَهم لمّا قَدِمَ المدينة، فغَدَروا به، ونقَضوا عهده مراراً، وكلّ ذلك يُحاربهم ويظْفَر بهم، وآخرُ ما صالَح يهود خيبر؛ على أنّ الأرض له، ويُقرّهم فيها عُمّالاً له ما شاء، وكان هذا الحكمُ منه فيهم حُجّةً؛ على جواز صُلح الإمام لعدوِّه ما شاء مِن المدّة، فيكون العقدُ جائزاً له