للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عقد الصلح لمصلحة":

أقول: وَجْهُ هذا أنّ الله -سبحانه- قال في كتابه {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} فدلّ ذلك على جواز المصالحة؛ إذا طلَبها الكُفّار وجَنحُوا إليها.

وقيل لا يجوز ذلك لقوله -سبحانه-: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} (١).

ولا يخفاك أنّه لا معارضة بين الآيتين، فإنّ الآية الأولى دلَّت على أن الكُفّار إذا نجحوا للسَّلم جَنَحْنا لها، والآية الأخرى دلّت على عدم جواز الدعاء مِن المسلمين إلى السَّلم، فالجمع بينهما بأنّه يجوز عَقد الصُّلح إذا طلَب ذلك الكفّار، ولا يجوز طَلبُه مِن المسلمين؛ إذا كانوا واثقين بالنصر ...

وقيل: لا يجوز المصالحة أصلاً، وأنّ ما ورَد في جوازها منسوخ بقوله: {فاقْتُلُوا المُشْركِينَ} (٢). ونحوها، ولا وَجْهَ لدعوى النسخ، وأيضاً الجمعُ ممكِن بأنهم يُقتَلون ويُقاتَلون؛ ما لم يجنحوا إلى السَّلم.

وأمّا كون المدّة معلومةً، فوجْهُه أنّه لو كان الصلحُ مُطلقاً أو مؤبَّداً؛ لكان ذلك مُبطلاً للجهاد الذي هو مِن أعظم فرائض الإسلام، فلا بُدّ مِن أن يكون مُدّةً معلومة على ما يَرَى الإمام من الصلاح، فإذا كان الكفّار مُستظهرِين وأمرهم مُستعلناً؛ جاز له أن يعقده على مُدّة طويلة، ولو فوق عشر سنين، وليس في ذلك مخالفة لعقده -صلى الله عليه وآله وسلّم- للصُّلح الواقع مع قريش عشر سنين،


(١) محمد: ٣٥.
(٢) التوبة: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>