للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثمّ أَمَره بقتال أهل الكتاب كلِّهم حتى يُسلِموا، أو يُعطوا الجزية، فامتَثَل أمْر ربِّه فقاتَلهم، فأسلَم بعضُهم، وأعطى بعضُهم الجزية، واستمرَّ بعضُهم على محاربته ....

ولم يأخذها مِن مشركي العرب، فقال أحمد والشافعي: لا تُؤخَذ إلاَّ مِن الطوائف الثلاث التي أخذَها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم، وهم اليهود والنصارى والمجوس (١).

ومَن عداهم فلا يُقبل مِنهم إلاّ الإسلام أو القتل.

وقالت طائفة: في الأمم كلِّها إذا بذَلُوا الجزية؛ قُبلت منهم: أهل الكتابين بالقرآن، والمجوس بالسُّنَّة، ومَن عَداهم مُلحقٌ بهم؛ لأن المجوس أهلُ شركٍ لا كتاب لهم، فأخذُها منهم دليل على أخْذِهِا من جميع المشركين؛ وإنمّا لم يأخذها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عَبَدة الأوثانِ مِن العرب؛ لأنّهم أسلموا كلُّهم قبل نزول آية الجزية، فإنها نزلت بعد تبوك، وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد فرَغ مِن قتال العرب، واستوثَقَت كُلّها له بالإسلام، ولهذا لم يأخُذْها مِن اليهود الذين حاربوه، لأنّها لم تكن نزَلَت بعد، فلما نزَلت، أخَذَها مِن نصارى العرب، ومِن المجوس، ولو بقي حينئذ أحدٌ مِن عَبَدَة الأوثان بذَلهَا؛ لقَبِلها منه، كما قَبِلها من عَبَدَة الصُّلبان والنِّيران، ولا فرق ولا تأثير، لتغليظ كُفرِ بعض الطوائف على بعض.


(١) وجاء في "الروضة الندية" (٢/ ٧٦٣): "وقال الشافعي: إن الجزية تُقبَل مِن أهل الكتاب؛ عرباً كانوا أو عَجَماً، ويُلحَق بهم المجوس في ذلك".
وقال -رحمه الله- كذلك (٢/ ٧٦٤): "الجزية على الأديان، لا على الأنساب، فتُؤخَذ مِن أهل الكتاب، عرباً كانوا أو عَجَماً، ولا تؤخذ مِن أهل الأوثان، والمجوس لهم شبهة كتاب".

<<  <  ج: ص:  >  >>