للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثمّ إن كُفر عَبَدَة الأوثان ليس أغلظَ مِن كُفر المجوس، وأيُّ فرقٍ بين عَبَدة الأوثانِ والنّيران، بل كُفرُ المجوس أغلظ، وعُبّادُ الأوثان كانوا يُقرّون بتوحيد الربوبية، وأنّه لا خالق إلاَّ الله، وأنّهم إنّما يعبدُون اَلهتم لتُقرِّبهم إلى الله -سبحانه وتعالى- ولم يكونوا يُقِرّون بصانِعَيْن للعالم، أحدهما: خالقٌ للخير، والآخر للشر - كما تقوله المجوس- ولم يكونوا يستحلّون نكاح الأمّهات والبنات والأخوات، وكانوا على بقايا مِن دين إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه-.

وأمّا المجوس فلم يكونوا على كتاب أصلاً، ولا دانوا بدين أحدٍ مِن الأنبياء - لا في عقائدهم ولا في شرائِعهم-، والأثر الذي فيه أنّه كان لهم كتابٌ فرُفِع، ورُفِعت شريعتهم لما وقع مَلِكُهم على ابنته لا يَصحُّ البتة، ولو صحّ لم يكونوا بذلك مِن أهل الكتاب، فإنّ كتابهم رُفِع، وشريعتهم بطلت، فلم يبقوا على شيء منها.

ومعلومٌ أنّ العرب كانوا على دين إبراهيم -عليه السلام- وكان له صُحُف وشريعة، وليس تغيير عَبَدَة الأوثان لدين إبراهيم -عليه السلام- وشريعته بأعظم مِن تغيير المجوس لدين نبيهم وكتابهم -لو صحّ-، فإنّه لا يُعرف عنهم التّمسك بشيء مِن شرائع الأنبياء -عليهم الصلوات والسلام- بخِلاف العرب، فكيف يُجعَل المجوس الذين دينهُم أقبحُ الأديان، أحسنَ حالاً مِن مشركي العرب، وهذا القول أصحُّ في الدليل كما ترى (١).


(١) "زاد المعاد" (٥/ ٩٠) بحذف. قلت: وحديث أبي داود عن أنس -رضي الله عنه- "أن النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعَث خالداً إلى [أكيدردومة]، فأخذوه فأتَوا بِه، فحقَن دمه، وصالحَه على الجزية". ضعيف لإرساله انظر التعليقات الرضية (٣/ ٤٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>