للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نفوسهم وأموالهم، {اسْتَجَارَكَ} أي: استأمَنك، فأجِبْه إلى طِلْبته {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} أي: القرآن تقرؤه عليه وتذكُر له شيئاً من أمر الدين تُقيم عليه به حُجَّة الله، {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} أي: وهو آمِنٌ مُستمرّ الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنِه، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} أي: إنما شَرَعْنا أمانَ مِثْلِ هؤلاء ليعلموا دين الله، وتنتشر دعوة الله في عباده.

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في تفسير هذه الآية، قال: "إنسانٌ يأتيك ليسمع ما تقول، وما أُنزِل عليك، فهو آمِنٌ حتى يأتيَك فيسمعَ كلام الله، وحتى يبلغَ مأمنَه حيث جاء".

ومِن هذا كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعطي الأمان لمن جاءه، مُسترشداً أو في رسالة، كما جاءه يوم الحديبية جماعةٌ مِن الرسُل مِن قريش، منهم: عروة بن مسعود، ومِكْرَز بن حفص، وسهيل بن عمرو، وغيرهم؛ واحداً بعد واحد، يتردّدون في القضية بينه وبين المشركين، فرأَوا مِن إعظام المسلمين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما بَهَرهم وما لم يشاهدوه عند مَلِكٍ ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم فأخبَروهم بذلك، وكان ذلك وأمثالُه مِن أكبر أسباب هداية أكثرِهم (١).


(١) قلت: يُشير الحافظ ابن كثير -رحمه الله- إلى قصة الحديبية وفيها" ... ثمّ إنّ عروةَ جَعَل يرمُق أصحاب النبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعينيه، قال فوالله ما تنخَّم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخامةً إلاَّ وقعَت في كفِّ رجلٍ منهم، فدَلَكَ بها وجهَه وجِلده وإذا أمَرَهم ابتدروا أمْرَه وإذا توضَّأ كادوا يَقْتتِلون على وَضوئه، وإذا تكلَّم خَفضوا أصواتَهم عنده، وما يُحدّون إليه النَّظَر تعظيماً له، فرجَع عروة إلى أصحابه، فقال: أيْ قومِ، والله لقد وَفَدْت على الملوك، ووفدْتُ على قيصر وكسرى والنجاشيّ، والله إنْ رأيت مَلِكاً قطُّ يُعظِّمه أصحابه ما يُعظِّم أصحابُ محمّد =

<<  <  ج: ص:  >  >>