وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (٣٥/ ٧٥):
"وكلُّ مَن كان باغياً، أو ظالماً، أو معتدياً، أو مرتكباً ما هو ذنب؛ فهو قسمان: متأوِّل، وغير متأول.
فالمتأوّل المجتهد؛ كأهلِ العِلم والدّين؛ الذين اجتهدوا، واعتقد بعضُهم حِلَّ أمور، واعتقَد الآخر تحريمَها، كما استحلّ بعضُهم بعضَ أنواعِ الأشربة، وبعضُهم بعضَ المعاملات الربوية، وبعضُهم بعضَ عقودِ التحليل والمتعة، وأمثال ذلك، فقد جرى ذلك وأمثالُه مِن خِيار السلف، فهؤلاء المتأوِّلون المجتهدون غايتهم أنَّهم مخُطئون، وقد قال الله -تعالى-: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}(١)، وقد ثبت في "الصحيح" أن الله استجابَ هذا الدعاء.
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله- أيضاً (٣٥/ ٧٦):
"أمّا إذا كان الباغي مجتهداً متأولاً، ولم يتبين له أنّه باغ، بل اعتقَد أنّه على الحقّ وإنْ كان مخطئاً في اعتقاده: لم تكن تسميته باغياً موجبةً لإثمه -فضلاً عن أن توجب فِسْقه- والذين يقولون بقتال البغاة المتأولين؛ يقولون مع الأمر بقتالهم: قتالنا لهم لدفع ضررِ بغيهم؛ لا عقوبةً لهم؛ بل للمنع مِن العدوان. ويقولون: إنهم باقون على العدالة؛ لا يَفْسُقون، ويقولون: هم كغير المكلَّف، كما يُمنَع الصبي والمجنون والناسي والمغمى عليه والنائم من العدوان؛ أن لا يَصْدُر منهم، بل تمُنْع البهائم من العدوان.