للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأهوى إلى أذنيه وقلبِه بيديه وقال: سَمِعَتْه أذناي ووعَاه قلبي.

فقلت له: هذا ابن عَمِّك معاوية يأمُرنا أن نأكلَ أموالَنا بيننا بالباطل، ونقتُلَ أنفسنا، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ (١) إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} قال: فسكَت ساعة ثمّ قال: أطِعه في طاعة الله (٢)، واعصه في معصية الله" (٣).

وعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "خِيارُ أئمّتكم الذين تحبّونهم ويُحبّونكم، ويُصلّون عليكم (٤)، وتصلّون عليهم، وشرار أئمّتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله أفلا ننابذُهُم بالسيف؟ فقال: لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة (٥)، وإذا رأيتم مِن ولاتكم شيئاً تكرهونه، فاكرهوا عَمَله، ولا تنزِعوا يَداً مِن طاعة" (٦).

قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى" (٢٨/ ١٧٠):


(١) المقصود بهذا الكلام: أنّ هذا القائل لمّا سمِع كلام عبدِ الله بن عمرو بن العاص، وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول، وأن الثاني يقتل، فاعتقد هذا القائل هذا الوصف في معاوية؛ لمنازعته عليّاً -رضي الله عنه-، وكانت قد سَبَقت بيعةُ عليّ، فرأى هذا أنّ نفقة معاوية على أجناده وأتباعه في حرب عليِّ ومنازعته ومقاتلته إياه، مِن أكْل المالِ بالباطل، ومِنْ قَتْلِ النفس؛ لأنه قتالٌ بغيرِ حقّ، فلا يستحقّ أحدٌ مالاً في مقاتلته".
(٢) قال الإمام النّووي -رحمه الله-: "هذا فيه دليلٌ لوجوب طاعة المتولّين للإمامة بالقهر، مِن غير إجماع ولا عهد".
(٣) أخرجه مسلم: ١٨٤٤.
(٤) يُصلّون عليكم: أي يَدْعون لكم.
(٥) قال النّووي -رحمه الله- (١٢/ ٢٤٣): "فيه معنى ما سَبَق أنّه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق، ما لم يُغيِّروا شيئاً مِن قواعد الإسلام".
(٦) أخرجه مسلم: ١٨٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>