للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجلسْتُ إليه، فقال: كنّا مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سفَر فنزلنا منزلاً، فمنّا من يُصلح خِباءَه ومنا من يَنتضِلُ (١) ومنّا من هو في جَشَرِه (٢) إذ نادى منادي رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: الصلاةَ جامعةً، فاجتمعْنا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إنه لم يكن نبيٌّ قبلي، إلاَّ كان حقّاً عليه أن يدُلّ أمّته على خيرِ ما يعلمُه لهم، ويُنذرَهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإنَّ أمّتكم هذه جُعِل عافيتُها في أولها، وسيصيب آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنة، فيُرقِّق (٣) بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مُهلِكتي، ثمّ تنكشف وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحَبَّ أن يُزَحزَحَ عن النار وَيُدْخَل الجنة؛ فلتأته منيّته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يُحبّ أن يُؤتَى إليه (٤)، ومن بايع إماماً فأعطاه صفْقَة يدِه وثمرةَ قلبه (٥) فليطعه إن استطاع، فإنْ جاء آخرُ ينازعه؛ فاضربوا عُنُق الآخر.

فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله آنت سمعْتَ هذا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -،


(١) ينتضِل: هو من المناضلة، وهي المراماة بالنُّشَّاب. "شرح النّووي".
(٢) جَشَره- بفتح الجيم والشين-: وهي الدوابُّ التي تَرعى وتَبيت مكانها.
(٣) يُرقق -بضم الياء وفتحِ الراء-: قال النّووي -رحمه الله- (١٢/ ٢٣٣): "أي: يصير بعضها رقيقاً، أي: خفيفا لعِظَم ما بعده، فالثاني يجعل الأول رقيقا، وقيل: معناه يشبه بعضها بعضا، وقيل: يدور بعضُها في بعض، ويذهب ويجيء، وقيل: معناه يسوق بعضها إلى بعض بتحسينها وتسويئها". انتهى.
قلت: والأوّل أرجح، والله -تعالى- أعلم.
(٤) وليأت إلى الناس الذي يحبُّ أن يُؤتى إليه: قال النّووي -رحمه الله-: "هذا من جوامع كَلِمِه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبديع حكمه، وهذه قاعدة مهمّة فينبغي الاعتناء بها، وأن الإنسان يلزم ألا يفعل مع الناس، إلاَّ ما يُحبّ أن يفعلوه معه".
(٥) صفقة يده، وثمرة قلبه: أي خالص عهده. "النّهاية".

<<  <  ج: ص:  >  >>