للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسوّي صفوفَنا حتى كأنما يسوي بها القِداح (١)، حتى رأى أنّا قد عَقَلْنا عنه، ثمّ خرَج يوماً فقال: عبادَ الله لتُسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالِفنّ اللهُ بين وجوهكم (٢)، وفي رواية: قلوبكم" (٣).

فأشار إلى أنّ الاختلاف في الظاهر -ولو في تسوية الصفِّ- مما يوصل إلى اختلاف القلوب، فدلَّ على أنّ الظاهر له تأثيرٌ في الباطن، ولذلك رأيناه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن التفرُّق حتى في جلوس الجماعة، ويحضرني الآن في ذلك حديثان:

١ - عن جابر بن سمرة قال: "خرَج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرآنا حِلَقاً فقال: مالي أراكم عزين؟! (٤) " (٥).

٢ - عن أبي ثعلبة الخشني قال: "كان الناس إذا نَزَلوا منزلاً تفرّقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنّ تفرّقَكم في هذه الشعاب والأودية إنّما ذلكم مِن الشيطان، فلم ينزل بعد ذلك منزلاً، إلاَّ انضَمَّ بعضُهم إلى بعض، حتى يُقال: لو بُسط عليهم ثوب لعمَّهم" (٦).


(١) القِداح -بكسر القاف- هي خَشَب السهام حين تُنحت وتُبرى، واحدها (قِدح) -بكسر القاف- معناه: يبالغ في تسويتها حتى تصير كأنما يُقَوِّم بها السهام؛ لشدة استوائها واعتدالها. "شرح النّووي" (٤/ ١٥٧).
(٢) أخرجه مسلم: ٤٣٦، وأصله في البخاري: ٧١٧.
(٣) انظر "صحيح سنن أبي داود" (٦١٦) و"صحيح الترغيب والترهيب" (٥١٢).
(٤) قال النّووي -رحمه الله- (٤/ ١٥٣): "أي: مُتفرّقين جماعة جماعة -وهو بتخفيف الزاي الواحدة- عِزَة، معناه النهيُ عن التفرّق والأمرُ بالاجتماع".
(٥) أخرجه مسلم: ٤٣٠.
(٦) أخرجه أحمد، وأبو داود (٢٦٢٨)، وابن حِبّان وغيرهم، وانظر "حِجاب المرأة المسلمة" (ص ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>