ففي "صحيح البخاري"(١) تحت (باب من لم يرَ التشهّد الأوّل واجباً لأنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قام من الركعتين ولم يرجع)، ثمَّ ذكر حديث عبد الله بن بُحيْنَةَ:"أنَّ النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلّى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين لم يجلس، فقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة وانتظَر الناس تسليمه كبَّر وهو جالس، فسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم، ثمَّ سلّم".
قال الحافظ: "ووجه الدلالة من حديث الباب، أنَّه لو كان واجباً لرجع إِليه لمّا سبّحوا به؛ بعد أن قام، ويُعرَف منه أنّ قول ناصر الدين بن المنيِّر في الحاشية: لو كان واجباً لسبّحوا به ولم يسارعوا إِلى الموافقة على الترك، غفلة عن الرواية المنصوص فيها على أنهم سبّحوا به.
وقال ابن بطال: والدليل على أنَّ سجود السهو لا ينوب عن الواجب؛ أنَّه لو نسي تكبيرة الإِحرام لم تُجبَر فكذلك التشهد، ولأنَّه ذِكر لا يجهر به بحال، فلم يجب كدعاء الافتتاح، واحتجّ غيره بتقريره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الناس على متابعته بعد أن علم أنهم تعمدوا تركه، وفيه نظر.
وممن قال بوجوبه الليث وإسحاق وأحمد في المشهور وهو قول للشافعي، وفي رواية عند الحنفية، واحتج الطبري لوجوبه بأن الصلاة فرضت أولاً ركعتين، وكان التشهد فيها واجباً، فلمّا زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب، وأجيب بأن الزيادة لم تتعيّن في الأخيرتين، بل يُحتمل أن يكونا هما الفرض الأول، والمزيد هما الركعتان الأولتان بتشهدها، ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان، واحتج أيضاً بأنّ من تعمّد ترك