للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجاء في "الإِرواء" (٣/ ١٥): "فالعمدة على حديث أنس (١)، وقد قال الحافظ في "الفتح" (٢/ ٥٦٧): "وهو أصح حديث ورَد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمَله من خالفه على أنَّ المراد به المسافة التي يُبتَدأ منها القصر، لا غاية السفر، ولا يخفى بُعد هذا الحمل مع أنَّ البيهقي (قلت: وكذا أحمد) ذكر في روايته من هذا الوجه أنَّ يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال: سألت أنساً عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إِلى الكوفة -يعني من البصرة- فأصلّي ركعتين حتى أرجع، فقال أنس: فذكَر الحديث.

فظهر أنّه سأله عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يُبتَدأ القصر منه. ثمَّ إِنَّ الصحيح في ذلك أنّه لا يتقيد بمسافة، بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها. وردّه القرطبي بأنّه مشكوك فيه فلا يحتجّ به، فإِن كان المراد به أنّه لا يحتجّ به في التحديد بثلاثة أميال فمسلّم، لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإِنّ الثلاثة أميال مندرجة فيه، فيؤخذ بالأكثر احتياطاً. وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إِسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال: قلت لسعيد ابن المسيب: أَقصرُ الصلاة وأُفطِر في بريد من المدينة؟ قال: نعم.

قلت: وقد صحّ عن ابن عمر -رضي الله عنه- جواز القصر في ثلاثة أميال، كما سيأتي بعد حديثين، وهي فرسخ، فالأخذ بحديث أنس أولى من حديث ابن عباس لصحته، ورَفعه وعمل بعض الصحابة به، والله أعلم.


(١) وهو في "صحيح مسلم" (٦٩١) بلفظ: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ (شعبة الشاك) صلّى ركعتين"، [وتقدّم].

<<  <  ج: ص:  >  >>