للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمسكين الذي له بعض ما يكفيه، وإِليه ذهب الشافعي، وقيل فيهما بالعكس وإليه ذهب أبو حنيفة.

وفي تفسير "ابن كثير": في قوله تعالى: {إِنّما الصدقات للفقراء والمساكين}: قدّم الفقراء هاهُنا على البقيّة؛ لأنهم أحوج من غيرهم على المشهور ولشدّة فاقتهم وحاجتهم.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "واختار ابن جرير وغير واحد؛ أنَّ الفقير هو المتعفّف الذي لا يسأل الناس شيئاً، والمسكين هو الذي يسأل ويطوف ويَتْبَع الناس شيئاً".

وإلى هذا تميل نفسي؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس؛ تردّه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكنّ المسكين الذي لا يجد غنىً يُغنيه، ولا يُفطن له فيُتصدّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس".

وهذا فيه التعريف السائد للمسكين في المجتمع، وجاء الشرع ليُلغي المعنى، لا ليُلغي التعريف، كقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس الشديد بالصُّرَعة (١)، إِنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" (٢).

وكقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إِنّ المفلس من أمتي؛ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذَف هذا، وأَكل مال هذا، وسَفَك دم هذا، وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإِنْ فنيت حسناته، قبْل أن يُقْضى


(١) الذي يصرع النّاس كثيراً بقوّته. "فتح".
(٢) أخرجه البخاري: ٦١١٤، ومسلم: ٢٦٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>