للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكتب، وإفتاء الخلق، إلى أنْ تَكَلَّمَ في مسألة الحَلِفِ بالطَّلاق، وأشار عليه بعضُ القضاة بترك الإِفتاء بها في سنة ثمانِ عشرة، فقبل إشارته، ثم وَرَدَ كتابُ السُّلْطَان بعد أيامٍ بالمنع من الفتوى فيها، ثم عاد الشيخ إلى الإِفتاء بها، وقال: لا يَسَعُنِي كتمانُ العِلْم، وبقي كذلك مُدَّةً إلى أَنْ حَبَسوهُ بالقلعة خمسةَ أشْهُرٍ وثمانيةَ عشر يومًا، ثم أُخرج ورجع إلى عادته من الاشتغال والتعليم، ولم يزل كذلك إلى أن ظفروا له بجوابٍ يتعلقُ بمسألة شد الرَّحال إلى قبور الأنبياء والصَّالحين، كان قد أجاب به من نحو عشرينَ سنة، فشَنَّعُوا عليه بسبب ذلك وكبُرت القضية، ووَرَدَ مرسومُ السُّلْطان في شعبان سنةَ ستٍّ وعشرين بجعله في القلعة فأُخْليت له قاعةٌ حسنةٌ، وأُجريَ بها الماء، وأقام فيها ومعه أخوه يخدمه، وأقبل هذه المدَّة على العبادة والتلاوة وتصنيف الكتب والرد على المخالفين، وكتب على تفسير القرآن جملةً كبيرةً تشتمل على نفائسَ جليلةٍ، ونكتٍ دقيقةٍ، ومعانٍ لطيفةٍ، وأَوْضَح مواضِعَ كثيرة التبست على خلق من المفسرين، وكتب في المسألة التي حُبِسَ من أجْلها مجلداتٍ عديدةٍ، وظهر بعض ما كتبه واشتهر، وآلَ الأمرُ إلى أنْ مُنع من الكتابة والمطالعة، وأخرجوا ما عِنْدَه من الكتب، ولم يتركوا دَوَاةً ولا ورقةً ولا قلمًا، وكتبَ عقيبَ ذلك بفحم يقول: إنَّ إخراج الكتب من عنده من أعظم النِّقم، وبقي أشهرًا على ذلك وأقبلَ على التلاوة، والعبادة، والتهجد، حتى أتاه اليقين، فلم يفجأ النَّاسَ إلا نَعْيُه، وما علموا بمرضه، وكان مرض عشرينَ يومًا فأسِفَ النَّاسُ عليه، وحضر جمعٌ كثيرٌ إلى القلعة، فأُذِنَ لهم في الدخول، وجلس جماعةٌ عنده قبل الغسل، وقرأوا القرآن وتبركوا برؤيته، ثم انصرفوا، وحضر جماعةٌ من النِّساء ففعلن مثل ذلك وانصرفن، واقْتُصِرَ على مَنْ يُغَسِّلُهُ ومَنْ يُعِيْنُ في غسلهِ، ثم أُخرجَ واجتمع النَّاس بالقلعة والطريق إلى جامع دمشق، وامتلأ الجامعُ وصَحْنُه والكلَّاسة، وباب البريد، وباب السَّاعات إلى باب اللبادين والفواره وأحْضِرت الجنازة في الساعة الرابعة من النهار، ووضعت في الجامع والجندُ يحفظونها من النَّاس من شِدَّةِ الزِّحام، وصلي عليه أولًا بالقلعة، تقدم في الصَّلاة عليه محمد بن تمام، ثم صُلِّي عليه بجامع دمشق عقيبَ صلاةِ الظهر، وحمل من باب البريد واشتد الزِّحام، وألقى النَّاسُ على نعشِه مناديلَهم، وعمائمهم للتبرك، وصار