وأسمائه؟ فمن ذلك الوقت فرَّق شَمْلَهُم، ولم يترُك منهم أحدًا يجتمعُ على شيءٍ من ذلك.
وكان الشيخ رحمه الله شديدَ التَّواضُعِ، حتى إنه إذا طَلَبه الشريفُ أرسل مع خادِمِهِ حصانًا لِيَرْكبَهُ، فيأبى إلا إذا كانت المسافة بعيدة، فإنَّه يَرْكَبُ في المواضع التي لا يمرُّ فيها على أحد، فإذا قارب الأسواق نَزَل وذهبَ ماشيًا على قدميه، وأمر الخادِمَ أن يذهب بالحصان، وكان مُكِبًّا على المُطالعة والتَّصنيفِ، وإذا مرَّ على شيءٍ يحتاجُ إلى توضيحٍ، أو تعقُّبٍ أو ردٍّ كتبَ عليهِ بخطِّه النَّيِّر الواضِح الذي لا يشتَبِهُ بغيرِهِ، وكان بينَهُ وبين الشيخ صدِّيق حسن مكاتباتٌ، ولما ألَّف "تفسيره" أرسلَه إليه ليُطَالِعَهُ، ويُبْدِي ما عندَهُ من ملاحظةٍ عليه، فكَتَبَ له على جملة مواضع، أصْلِحْ ما فيها.
بقي الشيخُ المترجَم بمكةَ، حتى توفي الشريف عَوْن فرجع إلى بلده شَقْرَا، وشَرَع في التعليق على قصيدة ابن القِيِّم النُّونِيَّةِ، وكان له اطلاع تامٌّ على المِلَلِ والنِّحَلِ، وأسماء الرِّجال، فلم يُقدَّر له إتمامُهُ على مطلوبِهِ لاشتِغَالِهِ بالقضاءِ، فكان ما كَتَبه عبارة عن مسوَّدَة، لم تستوفِ المطلوبَ، تعينُ الطالبَ على فَهمِ بعض المَباحثِ، وكثيرًا من أبياتها لم يتكلَّم عليه، وكان في عَزْمه تَكْمِيلُه، لكن فاجأه الأجل المحتوم، وله رحمه اللهُ بعض أوهام نَبَّهَ على بعضِها شيخُنا عبد الله بن عبدِ العزيز العَنْقَري، وبعضها نبهت عليه أنا، وقد عرض ما كتبته على شيخنا سليمان بن سحمان، فاستحسن وقال لي ما - معناه - لو لم تنبِّه عليه لكتَبْنَا عليه، تولَّى القضاءَ في بلد المَجْمَعة وملحقاتِها، من قِبَلِ أمير نجدٍ في ذلِك الوقت محمد بن رشيد، فكان مشكُورَ السِّيرة في قضاياه، لا تأخُذُه في الحقِّ لومةُ لائمٍ مع التَّعفُّفِ التَّام والقناعَةِ، ولما استولى الإمام عبد العزيز عَزَلهُ عن القضاءِ، ووَلَّى بَدَلَهُ شيخنا عبد الله بن عبد العزيز العَنْقَري، فقاس بعد عَزْلِهِ وانقطاعٍ ما كان يجري عليه من الحاجةِ شدة، وهو رجلٌ طويلٌ نَحيفُ الجسم، يخضِبُ بالحِنَّاءِ، عليه سكنيةٌ ووقارٌ، رأيتُه وأنا صغيرُ السن، فلم يقدَّر لي الأخذِ عنه، توفي يوم الجمعة بعد الصَّلاة، رابع جمادى الثاني، سنةَ تسعٍ وعشرين وثلاث مئة وألف في بلد المَجْمَعة، وصلي عليه في جامعها بعد العصر، أمَّ