لا تحضر ها هنا؟ فقال: قد أعلمناه، وأعطيناه، فقال: عُدْ وأعْطِه، وقل له: لا تحضر، ثم التفت إلى الجماعة، فقال: هذا كان شِحْنَةٌ في القرى، فقتل قتيل قريبًا من قريتنا فأخذ مشايخ القرى، وأخذني مع الجماعة، وأمشاني مع الفرس، وبالغ في أذاي، وأوثقني، وضربني على رأسي - وهو مكشوف - عِدَّةَ مَقَارِعَ، ثم أخذ من كل واحد شيئًا وأطلقه، ثم قال لي: أيُّ شيء معك؟ فقلت: ما معي شيءٌ، وما نقمت عليه، إلَّا أَنَّنِي سألته في الطريق أن يُمْهِلَني حتَّى أصليَ الفرض، فما أجابني، وضربني.
وقال ابن الجوزي: كنا نجلِسُ إلى ابن هُبَيْرةَ فيملي علينا كتابه "الإِفصاح" فبينا نحن كذلك إذ قَدِمَ علينا رجل ومعه رجل ادعى عليه أنه قتل أخاه، فقال له عون الدين: أقتلته؟ قال: نعم جَرَى بيني وبينه كلام فقتلته، فقال الخَصْم: سَلَّمْه إلينا حتى نقتُلَه، فقد أقَرَّ بالقتل، فقال عون الدين: أطلِقُوه ولا تقتلوه، قالوا: كيف ذلك وقد قتل أخانا؟ قال: تَبِيْعُونَه؟ فاشتراه منهم بست مئة دينار، وَسَلَّم الذهب إليهم، وذهبوا، وقال للقاتل: اقعد عندنا لا تبرح، قال: فجلس عندهم فأعطاه الوزير خمسين دينارًا، قال: فقلنا للوزير: لقد أحسنتَ إلى هذا، وعملت معه أمرًا عظيمًا وبالغت في الإحسان إليه، فقال الوزير: هل منكم أحدٌ يعلم أنَّ عيني اليمنى لا أبصر بها شيئًا، فقلنا: معاذ الله، فقال: بلى والله، أتدرون ما سبب ذلك؟ قلنا: لا. قال: هذا الذي خَلَّصْتُه من القتل، جاء إليَّ وأنا في الدور ومعي كتاب من الفقه، أقرأ فيه ومعه سَلَّةُ فاكهةٍ، فقال: احمِلْ هذه السَّلَةَ، فقلتُ له: ما هذا شُغْلي، فاطلبْ غيري، فشاكلني وَلَكَمَنِي، فَقَلَع عيني ومضى، ولم أره بعد ذلك إلى يومي هذا، فذكرت ما صنع بي، فأرَدْتُ أنْ أُقابل إِساءَتَه بالإِحسان مع القدرة.
وقال صاحب سيرته: كنا عنده يومًا والمجلسُ غاصٌّ بِوُلاةِ الدين والدنيا، وأعيان الأَماثل، وابن شافع يقرأ عليه الحديث، إذ جاءنا من باب السِّتْر، وراءَ ظهر الوزير صراخٌ بشِعٌ، وصِياحٌ مرتفعٌ، فاضطرب له المجلسُ وارتاعَ الحاضرون، والوزير ساكنٌ ساكتٌ حتى أنهى ابنُ شافع قراءةَ الإسناد وَمتنه، ثم أشار الوزيرُ إلى