وخمس مئة، وحصل له القبولُ التام من الناس، واعتقدوا ديانتَه وصلاحه، وانتفعوا بكلامه، وانتصر أهل السنّة بظهوره، واشتهرت أحوالُه وأقواله وكراماتُه، وهابه الملوك فمن دونهم. وقد صنَّف الشَّطنوفي في أخباره ومناقبه، ثلاث مجلدات، ذكر فيه بإسناده إلى موسى بن عبد القادر، قال: سمعت والدي يقول: خرجت في بعض سياحاتي إلى البريَّة، ومكثتُ أيامًا لا أجد ماء، فاشتدَّ بي العطشُ، فأظلتني سحابةٌ، ونزل عليَّ منها شيء يشبه النَّدَى، فروِيت، ثم رأيت نورًا أضاء به الأفق، وبدت لي صورة، ونُوديت منها: يا عبد القادر أنا ربك، وقد أحللت لك المحرمات، أو قال: ما حرَّمت على غيرك. فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أخسأ يا لعين، فإذا ذلك النور ظلام، وتلك الصورة دخان، ثم خاطبني وقال: يا عبد القادر نجوتَ مني بعلمك، بحكم ربك وقوتك في أحوال منازلاتك، والله لقد أضللتُ بهذه الواقعة سبعين من أهل الطريق. فقلت: لربي الفضلُ والمنّة. قال: فقيل له: كيف علمت أنه شيطان؟ فقال: بقوله: قد أحللت لك المحرَّمات.
قال ابن رجب: وكان الشيخ عبد القادر من المتمسكين في مسائل الصفات والقدر ونحوهما بالسُّنَّة، مبالغًا في الردَّ على من خالفها.
وذكر الشيخ يحيى بن يوسف الصَّرْصَري الشاعر المعروف، عن شيخه العارف علي بن إدريس، أنه سأل الشيخ عبد القادر، فقال: هل كان لله وليٌّ على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟ فقال: ما كان، ولا يكون.
ونقل عن الشيخ عبد القادر أنه قال: كنت أقْتَاتُ الخرنُوب، والشوك، وقامة البقل، وورق الخسَّ من جانب النهر والشط، وبلغت بي الضائقة في غلاء نَزَل ببغداد، إلى أن بقيت أيامًا لم آكل فيها طعامًا، بل كنت أتتبعَ المنبوذات أطعَمها، فخرجت يومًا من شدة الجوع إلى الشط، لَعَلَّي أجد ورق الخسَّ أو البقل أو غير ذلك فأتقوَّت به، فما ذهبت إلى موضع إلا وقد سبقني غيري إليه من الفقراء، وإذا وجدت الفقراء يتزاحمون عليه تركته حياءً، فرجعت أمشي وسط البلد، فلا أدرك منبوذًا إلا وقد سُبقت إليه، حتى وصلت إلى مسجد بسوق الريحانيين ببغداد، وقد أجهدني