للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولا لَعِبَ مع صبي، ولا أكل من جهةٍ لا يتحقق حِلَّها، وما زال على ذلك الأُسلوب إلى أنْ توفَّاه اللهُ تعالى.

وقال الموفق عبد اللطيف: كان ابنُ الجوزي لطيفَ الصوتِ، حُلْو الشمائل، رخيمَ النَّغْمَةِ، موزونَ الحركات، لذيذَ المفاكهة، يحضر مجلسه مئة ألف أو يزيدون، لا يُضَيِّعُ من زمانه شيئًا، يكتبُ في اليوم أربعَ كراريسَ، ويرتفع له كلُّ سنةٍ من كتابته ما بين خمسين مجلدًا إلى ستين، وله في كل علمٍ مشاركةٌ، وكان يراعي حفظ صِحَّتِه، وتلطيفَ مِزاجه، وما يُفيدُ عَقْلَه قوةً، وذِهْنَهُ حِدَّةً، يعتاض عن الفاكهة بالمفاكهة، لباسُه الأبيض الناعم المُطيَّب، ونشأ يتيمًا على العفاف والصلاح، وله مُجُونٌ لطيفٌ، ومداعباتٌ حلوةٌ، ولا يَنْفَكُّ من جاريةٍ حسناءَ، وذكر غيرُ واحدٍ أنَّه شَرِبَ حَبَّ البلادر فسقطت لحيتهُ، فكانت قصيرةً جدًا، وكان يَخْضُبُها بالسَّواد إلى أنْ مات، وصَنَّفَ في جواز الخِضَاب بالسَّواد مجلدًا، وسُئِل عن عددِ تصانيفه فقال: زيادةٌ على ثلاث مئة وأربعينَ مُصنفًا، منها ما هو عِشْرُون مجلدًا وأَقلُّ.

وقال الحافظ الذهبي: ما علمت أنَّ أحدًا من العلماءِ صَنَّفَ ما صَنَّفَ هذا الرجل.

وقال ابنُ رجب: نَقَم عليه جماعةٌ من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميلَه إلى التأويل في بعض كلامه، واشتَدَّ نكيرُهم عليه في ذلك، ولا رَيْبَ أنَّ كلامَه في ذلك مضطربٌ مختلف وهو وإن كان مُطَّلِعًا على الأحاديثِ والآثار، فلم يَكُنْ خبيرًا بحلِّ شُبَهِ المخالفينَ المتكلمين، وبيان فسادِها، وكانَ مُعَظِّمًا لأبي الوفاء بن عقيل، متابعًا لأكثر ما يجده من كلامه، وإن كانَ قَدْ رَدَّ عليه في بعض المسائل، وكان ابن عقيل بارعًا في الكلام، ولم يكن تامَّ الخِبرة بالحديث والآثار، فلهذا يضطرب في هذا الباب، وتتلوَّنُ فيه آراؤه، وأبو الفرج تابعٌ له في هذا التلوُّن.

قال الشيخ موفقُ الدين المقدسي: كانَ ابن الجوزي إمامَ أهل عصره في الوعظ، وصَنَّف في فنون العلم تصانيفَ حسنة، وكان صاحبَ فنونٍ، وكان يُدَرِّسُ الفقه،