وإذا حملت كلمة "في" على معنى "مِن" تناولت الظرفية وغيرَها؛ لأن الظرفية في الأكل والشرب لا تنافي معنى ابتداء الغاية على ما عُرف، فعلى هذا لو وَضَع فَمَه في الإناء يَكْرَعُ فيه شربًا أو أكلًا، لكان مرتكبًا للنهي جزمًا، اعتُبِرت الحقيقة في كلمة "في"، أو لم تُعتبر.
الثالثة عشرة: إذا تعذَّرت الحقيقة، وتعدَّدت وجوهُ المجاز، وكان بعضُها أقربَ إلى الحقيقة تعيَّن الحملُ عليه، وهذا ظاهرٌ مشهور إذا كان المجازان بينهما تنافٍ في الحمل.
يبقى النظر فيما إذا كان المجازُ المحمول عليه عند تعذُّرِ الحقيقة مجازًا واحدًا يتناول محلَّين لا مانع من الحمل عليهما معًا، وأحدُهما أقربُ إلى الحقيقة من الآخر، فهل يتعين الحملُ على الأقرب من الاحتمالين، أو يُحمل عليهما معًا؛ لتناول ذلك الوجه العام لهما، وعدم التنافي؟
فقد يُحمل على الأقرب إلى الحقيقة، وقد يقال ذلك إذا تعددت وجوهُ المجاز عند تعذُّر الحقيقة، وكان في الحمل بينهما تنافٍ.
أما إذا اتَّحد المجازُ المحمولُ عليه، ولم يتنافَ الحملُ على وجهته، فليُحملْ عليهما؛ لأن في الحمل على الأقرب محذورَ التخصيص مع إمكان التعميم، بخلاف ما إذا تعددت وجوهُ المجاز، ووقع التنافي في الحمل، فإنه ليس فيه هذا المحذور.