قلت: الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، وكراهةُ الأكل من المِحْجَمة المغسولة أو الحديدة، إن أراد به كراهيةً طبيعية فمسلَّم، إلا أنها مبنية على قوة وهمية، صحبت الوهم لكثرة ملازمتها ذلك، وهذه الكراهة الوهمية إن أُثبت بها الكراهةُ الشرعية فتحتاج إلى دليل شرعي، ونظيرُ ذلك من مسألة الأواني أن تكون الآنيةُ التي استعمل فيها لحم الخنزير والنجاسات آنيةً مخصوصة بذلك، يصحب الوهم فيها ملازمتها للنجاسات.
وأما حملُ الحديث على الآنية التي استعمل فيها لحم الخنزير والخمر، وقولُه: كما صرَّح به في رواية أبي داود، ليس كما قال في دعوى الصراحة بالنسبة إلى ما حمل عليه الحديث، فإن السؤال وقع عن الأكل في آنيتهم غيرَ مقيَّدٍ بما عُلِم أنهم استعملوا فيه لحم الخنزير والخمر.
وقوله:"وهم يطبخون في قدورهم الخنزيرَ، ويشربون الخمر" قد يُحمل على أن المراد به: أن من شأنهم ذلك، وعادتهم فعله، وحينئذٍ يكون السؤالُ واقعا على محل الإشكال الذي اختلف فيه الفقهاء، ولا يتعيَّن أن يكون المراد السؤال عن آنية استعمل فيها ذلك بعينها، فليس إذنْ بصريحٍ فيما ادَّعاه.
العاشرة: الاستدلالُ بالآية على هذه المسألة استدلالٌ بالعموم في الطعام، فيدخل تحته محلُّ النزاع، وهو الطعام الذي في آنيتهم، ويعترض عليه بأمرين: