للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقابلةَ الظاهر يتأويل وعاضِدِهِ، فيقدم الأرجحُ في الظن، وإن استويا في الظق فقد قيل بالوقف، وإن كان ما يدعى تأويلًا لا ينقدح احتمالُه، فهو باطل.

واعلم أَن تقديمَ أرجحِ الظنين عند التقابُل هو الصوابُ إن شاء الله، غير أنا نراهم إذا انصرفوا إلى النظر في الجزئيات يخرج بعضهم عن هذا القانون، ومن أَسباب ذلك اشتباهُ المَيلِ الحاصل بسبب الأدلة الشرعية بالميل الحاصل عن الإِلْف والعادة والعصبية، فإن هذه الأمورَ تُحدِثُ للنفس هيئةً وملكَةً تقتضي الرجحانَ في النفس بجانبها، بحيث لا يشعر الناظرُ بذلك، ويتوهم أنه رجحانُ الدليل، وهذا محل خوف شديد، وخطر عظيم، يجب على المتقي لله تعالى أن يصرِفَ نظرَه إليه، ويقفَ فكرَه عليه، والله أعلم.

التاسعة عشرة: المحكيُّ عن أبي ثور وغيره، أن أثر الدباغ إنما هو فيما يؤكل لحمه، بمعنى: أنه لا يطهر غيره بالدباغ، وأن التنصيص على بعض أفراد العام يقتضي التخصيص، لورود النص في شاة ميمونة (١)، وقد قدمنا (٢) أنه لا ينبغي أن تؤخذَ هذه القاعدة الكلية، وينسب إليها مذهب أبي ثور بسبب هذا الحكم الجزئي.

العشرون: الذين قالوا باستئناء جلد الخنزير، وأنه لا يطْهُر بالدباغ، لم يَجْرُوا على مقتضى العموم في هذا الحديث، ولعل مأخذَه


(١) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٥/ ٢٩٤ - ٢٩٥).
(٢) في الفائدة الخامسة من هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>