السابعة والأربعون: ويلزمُ من هذا: أنَّ ما اختُلِفَ في وجوبِهِ ممَّا لا يُطَّلَعُ عليه بالرؤيةِ إذا لَمْ يقعِ البيان بوقوع الفعل عليه، لا يكون واجبًا.
وقد بينا أنَّ الحديثَ دلَّ علَى قصدِ النية إلَى الفعلِ، أو فعل الوضوء بخصوصه، فتستفادُ من هذه القاعدة مسألةٌ اختلف فيها الفقهاءُ الشافعية، وهو أنَّ نيةَ الإضافة إلَى اللهِ تعالَى هل هي واجبة، أم لا (١)؟
فإذا لَمْ يقعِ الإخبارُ عن كونِها وقعت دلَّ علَى عدم الوجوب، وإلا تأخَّرَ البيان.
ويمكنُ أنْ يُقَالَ فيه: إنَّهُ إذا وقع القصدُ إلَى الفعلِ في العبادات فالقصدُ إلَى كونِها لله تعالَى واقعٌ من باب المَلَكةِ الحاصلةِ للنفس لكثرة التكرار، ويُنزَّلُ ذلك منزلةَ الواقع قصدًا وذكرًا، وهذا فيه غَورٌ يتعلَّقُ بالبيانِ في باب الأيمان، ولعلَّه سنذكره، إن شاء الله تعالَى.
الثامنة والأربعون: لقائلٍ أنْ يقولَ: مُقتضَى ما ذكرتَ من القاعدةِ أنْ لا تُشترطَ النيَّاتُ التي ذكر الفقهاء اشتراطَها في الوضوءِ؛ كنيَّة رفعِ الحدث، أو استباحةِ الصلاة، أو استباحةِ ما لا يُستباحُ إلا بالوضوءِ، أو أداءِ فرض الوضوء؛ لأنَّ شيئًا منها لَمْ يقعِ البيان عن وقوعه بالفعلِ، فلا يكون واجبًا؛ لما ذكرتموه من لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة.