يختص بالمسلمين إذا لم يتصرَّف في جرمِه، فإن المنقول عن بعض أكابر الامتناع منه، والتعليل بأنه هل ينتفع منه إلَّا بريحه، وقد قيل: بأنه لا بأس بذلك، بل زاد بعضهم وقال: إنه في كونه ورعًا نظرٌ من جهة أن شمَّه لا يؤثر نقصًا ولا عيبًا، فيكون إدراك الشمّ له بمثابة النظر إليه بخلاف وضع اليد عليه، ولو نظر إنسان إلى بساتين النَّاس، وغرفهم، ودورهم، لم يمنع من ذلك إلَّا إذا خُشِيَ الافتنانُ بالنظر إلى أموال الأغنياء، وكذلك لو مسَّ جدارَ إنسان لم يُمنع من مسِّه، ولو استند إلى جدار إنسان لجاز، كما لو جلس مُتطيِّبًا أو جالسَهُ متطيّبٌ، فإن ذلك مأذون بحكم العُرف، ولو منعه من الاستناد إلى جداره، فقد اختلفوا فيه إذا كان الاستناد لا يؤثِّر في الجدار البتة، ولا ينبغي أن يَطَّرِدَ ذلك في شمِّ ريح المطيَّب.
قلت: أما النظر في كونه ورعًا فيما فعله ذلك الكبير، واستبعاد كونه ورعًا، فَيَبعُدُ عندي، وليس كما استبعَدَ كونهَ ورعًا من أكل طعام حلالٍ محضٍ حمله ظالم، ولا سيما الطعام الذي نَدَب الشرعُ إليه كطعام الولائم، فإن ذلك أقربُ إلى الاستبعاد من حديث الطيب.
الثَّانية والثلاثون بعد المئة: خروج الخطايا من أعضاء المحدِث جعل سببًا لعدم طهورية الماء المستعمل، ثم قال بعضهم: بالتنجيس، وقال بعضهم: بعدم الطهورية، وربما تجاوز الحنفية وأطلقوا على أعضاء المحدث النجاسة نجاسة حكمية، وربما أُخِذَ ذلك من كون الماء طهورًا، فإنَّه يقتضي وجود ما يطهرّه كما في النجاسة الحسيّة.