للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحروف، وتقدُّمِ (١) بعضِها على بعضٍ ضرورةً، ثم إنَّها تكثرُ وتتكرر إلى أن تصيرَ ملكةً للنفس، فيكتب الإنسانُ مجلدًا، بل ما شاء الله تعالى أن يكتبَ، ولا يستحضرُ أنه رتَّب الترتيبَ الَّذي يتوقفُ عليه انتظامُ الكتابةِ، وفي التحقيق قد حصل ذلك في نفس الأمر عند الكتابة، ولكنه لم يحضر (٢) تذكُّره بعد (٣) انقضائه.

وكذلك نقول في الكلامِ واللفظِ إذا كثُرَ استعمالُه في معنىً وتكرَّر على الألسنة، فإنه عند الاسترسال يُرادُ به ذلك المعنى ظاهرًا، وإن كان بعد ذلك لو سُئِلَ المتكلِّمُ: هل تَستحضِرُ أنك أردت به هذا المعنى [المعين] (٤)، أو لا؛ لم يذكر أنه حَضَرَتْهُ النيّةُ بعينها، ويُحرِّكُ هذا إلى النظر في بعض دَلائلِ المتكلمين في بعض المسائل (٥).

السبعون: فيما يترتَّب على هذا مما نحن فيه، أنَّا قد ذكرنا أنّ قولَ المشمّت: "يرحمك الله" الظاهرُ منه إرادةُ الدعاء، وأنَّ إرادةَ الخبر على طريق البِشَارة المبنية على حسن الظن محتملةٌ، وإذا كان كذلك وحُمِلَ الأمرُ على الظاهر - وهو الدعاء - فحينئذٍ يكون المأمورُ به على جهة الدعاء، وهو قوله: "يرحمك الله"، فيرجع إلى الأقسام الثلاثة:


(١) "ت": "وتقديم".
(٢) "ت": "يحضره".
(٣) "ت": "عند".
(٤) سقط من "ت".
(٥) نقل هذه القاعدة العقلية عن المؤلف: الزركشي في "المنثور" (٣/ ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>