ومنها ما هو متوسط، وهو أن تكثَر تلك الألفاظُ كثرةً لا تنتهي إلَى الدرجةِ الأولَى، ولا تنحطُّ إلَى السفلَى.
الثالثة والعشرون: وبحسب اختلاف هذه المراتب، وقعت طامَّةٌ أوجبت افتراقَ الأمةِ ورميَ بعضِهم بعضاً بالتكفيرِ أو التبديع، وتساهلِ آخرين فيما يجب فيه التشديدُ، والقانون الصحيح هو الذي ذكرناه، والرجوع فيه إلَى ما ثبت في النفسِ عن التأمل في مصادر الشريعة ومواردها، وإلَى هذا يجب أنْ يرجعَ المرءُ في المرتبةِ الأولَى، وهي ما انتهَى إلَى القطعِ؛ الإخبار عن حدث العالم فيما مضَى، وحشر الأجساد، ودارَيْ الجزاء، الجنة أو النار، وكل من خالف في ذلك فهو كافر خارج عن الملةِ، وما يبديه من التأويلاتِ، كما يفعله الفلاسفةُ المنسوبون إلَى الإسلامِ، فهو مردود عليه؛ للقطع الذي ذكرناه في مثل هذه المسائل، ولما كفَّر الغزالي - رحمه الله - الفلاسفةَ بالقولِ بقِدَم العالم، وإنكار حشر الأجساد، وإنكار العلم بالجزئياتِ، أراد بعضُ المتأخرين ممن يتكلم في الفلسفةِ من الأندلسيين أنْ يشوشَ فيما قالَ، وزعم أن في تكفير من خالف الإجماع خلافًا، وهذه سَقْطة راسبة، وعثرة لا لَعًا (١) لها، فإن ما يقوم عليه الإجماعُ علَى قسمين:
أحدهما: ما صحبه المتواتر في الإخبارِ عن صاحب الشرع بما انعقد عليه الإجماع.
(١) يقال للعاثر: لعاً له: إذا دعوا له. ولا لَعًا له: إذا دعوا عليه وشمتوا به، أي: لا أقامه الله من سقطته.