للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* الوجه الثالث: في شيء من مفرداته: وقد يختلف الرواة في بعض الألفاظ فيه، وفيه مسائل:

الأولى: قوله: "كُنْتُ وَأَنا في الجاهِلِيةِ أظنُ أن الناسَ على ضَلالَةٍ" (١) يحتمل أن يحمل على حقيقة الظنّ، وأنه لم يبلغ إلى القطع، ويحتمل أن يكون الظن بمعنى العلم، وعليه حمله بعضهم، قال: وقول عمرو بن عبسة: كنت في الجاهلية أظن الناس على ضلالة، فإن الظن قد يطلق على اليقين كما قال تعالى: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: ٥٣] (٢).

قلت: ومما يقوي هذا: أن الدليل الذي استدَلَّ به من أنها لا تضرُّ ولا تنفعُ، دليل قاطع على بطلان إلاهيَّتِها وعبادتَها، وإنما أجزنا أن تكون ظنًا؛ لأنَّ جمهور عبّادها كانوا على الجَزْم، فجاز أن لا يكون انتهى حينئذ إلى الجَزْم بسبب الغلبة في الناس، واستمرارِ زمانهم على عبادتها، وبعض العلماء يفترق في وقوع الظن بمعنى العلم، بين مواضع الاستعمال فيه، قال أبو محمَّد بن عطية في قوله تعالى: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: ٥٣]: وأطلق الناس أن الظن هنا بمعنى اليقين، ولو قال بدل ظنوا: أيقنوا، لكان الكلام متَّسِقاً، على مبالغةٍ فيه، ولكن العبارة بالظن لا تجيء أبدًا في موضع يقين تامّ قد ناله الحسُّ، بل أعظمُ درجاتِه أن يجيءَ موضع علم مُتَحَقِّق، لكنه لم


(١) في الأصل: "كنت أظن أن"، والمثبت من "ت".
(٢) انظر: "المفهم" للقرطبي (٢/ ٤٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>