وقوله: (وأنزله من قلبه وتعظيمه الأعزَّين مكانًا ومكانةً": ردَّ المكانَ إلى القلب؛ لمناسبته له من حيثُ إنَّه حرم ومحل، وردَّ المكانةَ إلى التعظيم؛ للمناسبة أيضًا، وقد رجع الأول إلى الأول والثاني إلى الثاني، وهو من محاسن الكلام كما تَقَرَّرَ في فنِّهِ.
وقوله: "وسميته بكتاب: الإلمام بأحاديث الأحكام": سمَّى بهذه التسميةِ بالنسبة إلى الكتاب الكبير الذي قصد فيه التوسع وتكثير الأحاديث وجلبها من حيث كانت على حسب القدرة، فهو بالنسبة إليه إلمام، لا بمعنى قصوره في نفسه وضَعفه بالنسبة إلى أحاديث الأحكام، أي: نذكرُ بعضَها ونترك ما هو كثير منه مما يُحتاج إليه ولا داعٍ إلى تركه من وجهٍ مُعتبر.
وقوله: "وشرطي فيه ألَّا أوردَ إلا حديثَ من وثَّقه إمامٌ من مُزكّي رواة الأخبار، وكان صحيحًا على طريقةِ بعض أهل الحديث الحفَّاظ، أو بعض أئمة الفقهاء النُّظَّار (١) ": اعتبرَ هذا الشرطَ، ولم يشترط الاتفاق من الطائفتين؛ لأنَّ ذلك الاشتراط يضيق به الحال جدًّا، ويوجبُ تعذُّرَ الاحتجاج بكثير مما ذكره الفقهاء؛ لعسر الاتفاق على وجود الشروط المتفق عليها؛ ولأنَّ الفقهاءَ قد اعتادوا أنْ يحتجوا بما هو نازلٌ عن هذه الدرجة، فرجوعهم إلى هذه الدرجة ارتفاعٌ عما قد يعتادونه، فهو أولى بالذكر، ولأنَّ كثيرًا مما اختُلِفَ فيه من ذلك
(١) في النسخة الخطية من كتاب "الإلمام" بيد الإِمام ابن عبد الهادي (٢/ أ). وكذا في المطبوع من "الإلمام" (١/ ٤٧): "أو أئمة الفقه النظار".