للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابعة عشرة: قوله: "حتَّى رفع إلَى الساقين" دليلٌ ظاهرٌ علَى أنَّهُ غسل بعضهما بتبادر الفهم إليه، فهو أظهر في الدلالةِ علَى هذا المقصود من قوله في تلك الرواية: "أشرع في العضد" و "أشرع في الساق" علَى مُقتضَى الوجه الذي ذكره القرطبي من أنَّهُ من باب أشرعتُ الرُّمح (١)، لإمكان أنْ يشغِّبَ مشغبٌ، ويمنعَ الدلالة من (أشرع) علَى غسل بعض الساق والعضد.

فإن قلت: فالتشغيب وارد عليكم (٢) أيضًا؛ لأنَّه يمكن أنْ يقال: إنَّ المرادَ بالرفعِ رفعُ الغسل، ويجعله مغيًّى بالساقِ منتهياً إليه، فلا يدلّ علَى وقوع الغسل في العضد.

قلت: الحديثُ مستوفٍ لذكر الفعل الغريب من أبي هريرة، المخالف لأفعال الجمهور، وكذلك استدلال أبي هريرة علَى ما فعله، إنَّما هو علَى ما أغرب به من الفعلِ، ولو كان المراد ما ذكرتم من أنَّهُ رفع الغسل إلَى أن انتهَى إلَى العضدِ أو الساق؛ لانتفَى المقصود من الإخبارِ بالغرابةِ والاستدلال عليها بما دلّ علَى استحباب الفعل الغريب؛ فإنَّه قد تبيّن وجوب الانتهاء، واستمر فعلُ المسلمين عليه.

الثامنة عشرة: يمكن من وجه آخر أنْ يجعل "أشرع" دالاً على غسل بعض العضد أو بعض الساق؛ لأنَّ "أشرع" قد علقت (في) به،


(١) انظر: "المفهم" للقرطبي (١/ ٤٩٩).
(٢) "ت": "عليك".

<<  <  ج: ص:  >  >>