بين الرواية والدراية، وهو المقصودُ الأعظم في هذا الفن، والإخلالُ بأحدهما نقصٌ.
"فيه": جَمعٌ بين الاثنين في الدعاء، أعني الحفظَ والفهمَ، ولما استعمل في أولِ الدعاء لفظَ الفتح، عقَّبه بالاسم المُعظَّم المناسبِ له، وهو الفتَّاح، وقرنه بما قرنه الله تعالى به، وهو العليم، وكذلك الاسمان المذكوران بعدَ ذلك مناسبان للمطلوب أولًا، وهو الغنىَ الدالُّ على سَعَة القدرة في إيصال ما يُوصِل مِن المنافع، والكَرَم الدالُّ على سعة العطاء، وفي قوله تعالى:{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}[سبأ: ٢٦] إشارةٌ بصفة العلم إلى الإحاطةِ بأحوالنا وأحوالكم، وما نحنُ عليه من الحقِّ وأنتم عليه من الباطل، وإذا كانَ عالمًا بذلك فسيقعُ منه القضاءُ علينا وعليكم بما يعلمه مِنَّا ومنكم، فإذا اعتبرتَ هذا المعنى فَلَكَ أن تقتصرَ في جلب هذين الاسمين المُكْرَمين ها هنا على اتباع لفظ الكتاب العزيز، ولك أن تطلبَ مناسبةً بالنسبة إلى هذا المكان المعيَّن في ذكر العلم، كما ناسب ذكرُ الفتح؛ فإما أن يكونَ راجعاً إلى العلم بالحاجة والافتقار إلى ما طُلب، وإما أن يكون تعريضا بصحةِ القصد والنية في درسه، ليكون باعثًا لدارسيه على تصحيحِ النية، وتجريدِ القصد عن الشوائب، والله أعلم.