للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يترجَّح فيه عندي - والله أعلم -: أن الإقدام عليه يعرِّض النفسَ للبلاء، وما لعلها لا تصبِر عليه، وربما كان فيه ضربٌ من الدَّعوى لمقام الصبر والتوكُّل، فلا ينبغي ذلك؛ لاحتمال اغترار النفس، ودعواها ما لا يثبت عند الحقيقة، فإذا كان بأرض ووقع بها، فالفِرار منها قد يكون داخلاً في باب التوغُّل في الأسباب، وتصوراً بصورة الفارِّ مما لعله يُقضى عليه به، فالتكلُّف في الأول في القدوم، والتكلف في الثاني في الفرار، فأمرَ بترك التكلف فيهما، وقد لمحَ الصحابيُّ ما ذكرناه بقوله: أفراراً من قدر الله؟! غير أنه استعمله في القدوم عليه، وهو الذي يشير إليه قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لا تتمنَّوا لقاءَ العدوِ، وإذا لقِيتُمُوهُمْ فاصبرُوا" (١)، فالنهي عن التمني؛ لما فيه من التعرض للبلاء، وخوف الاغترارِ من النفس وخَورِها عند الحقيقة (٢).

السادسة والثلاثون: فإذا تقرَّر هذا، فأمرُه - عليه السلام - بتغطية الإناء لدفعِ متوقَّعٍ لسبب البلاء، منعٌ لوقوع المسبَّب المُؤذي بالإنسان، وهو نظيرُ المنعِ مَنْ قدومُه على أرضٍ وقع فيها الوباء؛ لما يشتركان


(١) رواه البخاري (٢٨٦٣)، كتاب: الجهاد والسير، باب: لا تمنوا لقاء العدو، ومسلم (١٧٤١)، كتاب: الجهاد والسير، باب: كراهة تمني لقاء العدو والأمر بالصبر عند اللقاء، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) نقل هذا الترجيح عن المؤلف: الحافظ ابن حجر في "الفتح" (١٠/ ١٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>