وهذا الاعتذار بالسفر، قد ورد ما يُلغيه من حديث صَفْوانَ بن عسَّال قال: صببتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الماء لوُضُوئه في السَّفر والحضر، فتوضأَ، ذكره البزَّار في "مسنده"(١).
التاسعة: الصادرُ من الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - يُحْمَل ظاهرًا على الجواز، الذي لا تُجامعه الكراهةُ؛ لأنَّ الظَّاهرَ عدمُ ارتكابِ المكروه؛ لأنَّ الجَزْمَ بعدم ارتكابِ المكروه من غير معارضٍ واقعٌ في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد يعلِّلون في بعض ما يكرهون الفعل ببيان الجواز، فيقولون: إنَّما فعل لتبيين الجواز، لكنَّ ذلك بعد قيام الدليل المقتضي للكراهة، فإن لم يقمْ دليلٌ شرعيٌّ على الكراهة، لم يصحَّ أن يقال بها، فلا يكون المانع قائمًا، فلا يَحْسُن تعليل الفعل بأنه بيان للجواز، وبهذا يبينُ ضعفُ القول بالكراهة، وهو المرجَّح عند الشافعية على ما ذكره بعضهم؛ أعني: القول بعدم الكراهة.
العاشرة: قد تلخَّص لك من مذهب الشافعي - رحمه الله -: أنَّ ترك الاستعانة مستَحَبٌّ، وأن الصحيحَ من مذهب أصحابه: أنها لا تُكْره، ولا تعارضَ بين الأمرين، لأنك علمْتَ أنه لا يلزم من استحباب الشيء كراهةُ ضدِّه، ومثاله الظاهر: كثرةُ شغل الأوقات بالعبادات، فإنه مستحبٌ، ولا يوصَفُ تركُه بالكراهة.
(١) ورواه ابن ماجه (٣٩١)، كتاب: الطهارة، باب: الرجل يستعين على وضوئه فيصب عليه، وفي إسناده ضعف، كما ذكر الحافظ في "التلخيص الحبير" (١/ ٩٨).