للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثامنة: فرَّق الشافعيةُ والحنبلية (١) بين الراكد والجاري من وجهٍ آخر، وحَكَمًا بأنَّ الجاري متفاصلُ الأجزاء، لا يتعدَّى حكم جِرْيَةٍ (٢) إلى ما فوقَها و [لا] (٣) إلى ما تحتَها، فإن كلَّ واحدة من الجِريات طالبةٌ لما بين يديها، هاربةٌ عمَّا خلفَها، بخلاف الراكد، فإنه مترادٌّ متُعَاضِد، ولا شكَّ أن الاتصالَ في الماء الجاري موجودٌ حسًا، ولا يمكن أن يُكتفَى في الحكم الشرعي بمجرد هذا المعنى، أعني: الترادَّ والتفاصلَ بالتفسير المذكور، فإنَّ الشارعَ لو حكم بتعدي النجاسة إلى جميع الجِريات صحَّ، وإذا كان كذلك، فلا بدَّ لمدعي هذا الحكمِ من دليل شرعي يقتضي عدمَ اعتبارِ الاتصال المحسوس بالنسبة إلى حكم النجاسة، والذي استُشهِدَ به على هذا: أنه لو قُلِبَ الماءُ من إناءٍ إلى نجاسة، فإن الماءَ الَّذي في الإناء والذي هو في الطريق طاهرٌ.

وعبَّر عن هذا بعضهم في بعض مسائل الجاري فقال - استشهادًا بما أجمعوا عليه: من أن (٤) إبريقًا لو صُبَّ من بُزالِهِ (٥) على نجاسة، كان الماء الخارج من البُزال طاهرًا ما لم يلاقِ النجاسة، وإن كان


(١) انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (١/ ٢٥١)، و"المغني" لابن قدامة (١/ ٤٨).
(٢) قال الإمام النووي: الجِرية - بكسر الجيم -: هي الدفعة التي بين حافتي النهر في العرض، هكذا فسرها أصحابنا. انظر: "المجموع" له (١/ ٢٥١).
(٣) سقط من "ت".
(٤) "ت": "بأن" بدل قوله: "من أن".
(٥) البُزال - بضم الباء -: فم الإناء وثقبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>